ضمن فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وفي إطار المسابقة الرسمية، عُرض فيلم "أناشيد آدم" للمخرج العراقي عدي رشيد، الشاعر والرسام وعازف الغيتار والسيناريست والمصور الفوتوغرافي والمخرج الذي صبر سنوات طويلة لصناعة هذا الفيلم، ليحصد جائزة أفضل سيناريو في المهرجان.
رشيد الذي أجرينا معه مقابلة على خلفية عرض فيلمه في المهرجان، درس في "كلية الفنون التطبيقية" في بغداد، وكرّس نفسه للسينما. عمل كاتبا مستقلا لمقالات نقدية، ثم درس السينما في "كلية الفنون الجميلة". له أفلام قصيرة مثل "بياض الطين"، و"مقدمة أخرى"، و"نقص التعرض"، إلى جانب روائي وثائقي بعنوان "غلغامش: الملحمة.. المكان"، وروائي طويل بعنوان "كرنتينة" الذي صنعه عندما غادر إلى نيويورك حيث يقيم حتى اليوم.
يحمل فيلم رشيد قدرا كبيرا من الأصالة المحلية التي تجعل كل مشاهد يتورّط بالدرجة ذاتها في أحداثه، سواء أكان يقيم داخل العراق أو خارجه. فالفيلم يدفعنا إلى إعادة التفكير في الخطاب السينمائي عندما لا يتجاوز الظرف التاريخي الزماني والمكاني دون أن يعيد تفكيك الأسئلة الأصيلة الأكثر صعوبة ويطرحها في سياق وجودي يورّط الجميع في التعاطف ومحاولة الإجابة.
انقطاعات الموت المؤرقة
"كان ياما كان في بلاد الرافدين"، هكذا يُكتب على الشاشة الصغيرة في أول مشاهد الفيلم الذي يقص حكاية الصبي الصغير آدم، بعد أن يقرر محاولة إيقاف الزمن، دون أن يكترث لمروره الحتمي على الآخرين من حوله. ببساطة يقرر آدم ألا يكبر أبدا. ثمة واقعية سحرية ينغمس فيها الفيلم بالطبع، وربما بدت تلك البداية القصصية وعدا مبدئيا بفتح أفق خيال نسبي يحفّ بالأحداث من كل جانب. يقف من خلاله على حكاية تحاجج خيال الطفل لدى كل مشاهد. يطلب منه في المقابل أن يستسلم نسبيا إلى ما يشبه حلما في ليلة سينمائية، لكي يمرر ما يحاول أن يقوله لاحقا.
كذلك يختار المخرج سياقا ماضويا عتيقا في تسمية فيلمه الذي يعود خلاله الى أول الخلق: آدم. يعرّفه من خلال أناشيد بمثابة أصوات يطلقها ولا يفهمها أو يقدر غيره على إعادتها. يقف آدم وحيدا تماما في مواجهة عالم قاس لا يُحتمل. يحكي قصته في بلاد الرافدين ما قبل العراق الذي نعرفه. حتى لو كان الفيلم يبدأ فعليا في 1946، فإنه يغرس قدمه الأولى في منطقة أبعد من ذلك.