"الإسناد المجتمعي" لانهاء الحرب على غزة... أسئلة وشكوك

لم يصدر عن مصر أو السلطة الفلسطينية أي موقف حول ما جرى الاتفاق عليه

أ ف ب
أ ف ب
امرأة ترفع خريطة فلسطين اثناء مظاهرة في غزة في 27 فبراير 2020

"الإسناد المجتمعي" لانهاء الحرب على غزة... أسئلة وشكوك

في بداية ديسمبر/كانون الأول، نشرت "المجلة" بنود نص الاتفاق بين حركتي "فتح" و"حماس" الذي جرى التوافق عليه في العاصمة المصرية القاهرة، بعد ثلاث جلسات نقاش وحوار برعاية مصرية. حيث تنص مسودة الاتفاق، على تشكيل "لجنة إسناد مجتمعي" لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، وتشرف على عملية إعادة الإعمار وتقديم الخدمات، بحيث تصبح فاعلة بعد صدور قرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وبالرغم من مرور أكثر من عشرة أيام على نشر مسودة الاتفاق، فإنه لم يصدر عن مصر أو السلطة الفلسطينية أي موقف أو إعلان رسمي حول ما جرى الاتفاق عليه، فيما أعلنت "حماس" وفي بيان رسمي نُشر عبر منصاتها الرسمية، عن موافقتها على ما جرى الاتفاق عليه بعد إجرائها مشاورات مع قيادات فلسطينية، ودون أن يوضح البيان تفاصيل الاتفاق، فيما هاجم أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب خلال مؤتمر صحافي، ما يدور حول الاتفاق عن تشكيل لجنة مجتمعية، مؤكدا أن "هذه اللجنة مقدمة لتكريس الانقسام الفلسطيني".

وشدد أمين سر حركة "فتح" أن "هناك ثلاثة أسس يجب أن نحافظ عليها وهي: وحدة النظام السياسي الفلسطيني، ووحدة الجهاز الخدماتي للشعب الفلسطيني، ووحدة الفعل النضالي، وهو ما يجعل من أي حديث وأي جهد خارج هذه الركائز بمثابة خطأ، وأي استجابة لأي صيغة هي تكريس لهذا الاحتلال"، متمنيا على قيادة "حماس"، الترحيب بعودة السلطة والحكومة الفلسطينية بهدف تحمل مسؤوليتها دون أي شروط، تحقيقا لوحدة الأرض والنظام الفلسطيني السياسي.

وتنص مسودة الاتفاق على الحفاظ على وحدة الأراضي الفلسطينية "قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية" القائمة على حدود عام 1967، والتأكيد على عدم فصل قطاع غزة عن الأراضي الفلسطينية وضمان التواصل بين جميع الأطراف السياسية مع السلطة الفلسطينية.

الوثيقة التي جرى التوافق عليها، والمكونة من صفحتين، نصت على تشكيل لجنة دعم وإسناد وطنية من الجهات المحلية الفلسطينية تتكون من 10–15 عضوا من الشخصيات الوطنية المستقلة والمهنيين ذوي الكفاءات، حيث يتمثل دورهم في إدارة القطاع، والعمل على إدارة المجال الصحي والاقتصادي والتعليمي والزراعي وأعمال الإغاثة ومعالجة آثار الحرب والإعمار، وذلك وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها فلسطينيا.

وتقع من ضمن مهام اللجنة، العمل على تشغيل معبر رفح البري مع مصر، والعمل على تشغيل المعابر مع الجانب الإسرائيلي، وفق اتفاقية المعابر لعام 2005، التي تم الاتفاق عليها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتنص على تشغيل معبر رفح البري بوجود مُراقبين أوروبيين في الجانب الفلسطيني من المعبر، فيما تعود مرجعية لجنة الإسناد للحكومة الفلسطينية.

يُعتقد أن اللجنة ستكون عبئا على السلطة الفلسطينية في المرحلة القادمة إذا ما تم إقرارها، وهو ما سيفتح المجال الأكبر للتجاذبات السياسية الفلسطينية

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني عزيز المصري، أن فكرة تشكيل لجنة إسناد مجتمعي، جاءت من رؤية مصرية لطرح خطة فلسطينية لإدارة قطاع غزة، خلال الحرب وما بعد نهاية الحرب، والعمل على محاولة تسويقها للمجتمع الدولي وإسرائيل كرؤية لليوم التالي للحرب الإسرائيلية على غزة، والمستمرة منذ أكثر من 14 شهرا متتاليا.
ويشير المصري في حديثه لـ"المجلة"، إلى أن النقاشات بين حركتي "فتح" و"حماس" في القاهرة، تخللها الكثير من نقاط الجدال والخلاف، من أبرزها، الخلاف على تبعية ومرجعية القرار في اللجنة، حيث طالبت "فتح" بأن تكون مرجعيتها لرئيس السلطة الفلسطينية، فيما طالبت "حماس" بأن تكون مرجعيتها الفصائل الفلسطينية، ليتم التوافق على أن تكون جزءا من مؤسسات السلطة الفلسطينية وأساس تشكيلها يكون بمرسوم رئاسي.
واصطدمت المفاوضات حول تشكيل اللجنة وبنودها ومهماتها "بالمحاصصة والتقاسم الوظيفي، وكانت "حماس" تريد من اللجنة، إعادة دمج هيكلها الإداري والأمني في غزة، الذي أدار القطاع على مدار 17 عاما، ضمن كوادر موظفي اللجنة في شتى مجالات اختصاصها"، حسب ما يقول المصري.

رويترز
نازحون فلسطينيون يفرون في سيارة متضررة من شرق خان يونس في 7 اكتوبر

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد صرح في لقاء سابق، حول مخطط إسرائيل لليوم التالي للحرب، بإقصاء السلطة الفلسطينية عن الحكم، كما إقصاء حركة "حماس" كأحد أهداف الحرب التي أعلن عنها مرارا وتكرارا. لذا، يعتقد المحلل السياسي أنه "كان يجب علي (حماس) والفصائل الفلسطينية تعزيز دور السلطة بتوكيل الحكومة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة والإصرار على هذا الأمر في إطار محادثات الصفقة مع إسرائيل، وبدلا من الذهاب إلى تشكيل لجان قد لا تحوز على موافقة إسرائيل من الأساس".
ويعتقد أن اللجنة ستكون عبئا على السلطة الفلسطينية في المرحلة القادمة إذا ما تم إقرارها، وهو ما سيفتح المجال الأكبر للتجاذبات السياسية الفلسطينية حول المرجعيات وصلاحيات القرار ومدى الصلاحيات الممنوحة للجنة على أرض الميدان بشكل عملي.

ترفض دول عربية وغربية التعامل مع حركة "حماس" أو تقديم أي دعم في أي إطار سياسي فلسطيني تكون "حماس" جزءا منه

ووفق بعض المصادر الفلسطينية، وعقب إعلان حركة "حماس" موافقتها على تشكيل اللجنة، زعمت المصادر رفض اللجنة المركزية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، تشكيل لجنة إسناد مجتمعي لإدارة غزة، وهو ما استغلته حركة "حماس" في التسويق لرفض المنظمة للجنة، بالقول "إنها- أي المنظمة- تؤخر نهاية الحرب الإسرائيلية"، وهو ما اعتبر تبريرا ساذجا من أطراف في حركة "حماس" في ظل تعبير إسرائيل عن رفضها التعامل أو التعاطي مع لجان من هذا النوع، وعدم وجود ضمانات حقيقية لقبول المجتمع الدولي وإسرائيل والدول العربية لتلك اللجنة التي يجري الحديث حولها.
وتضيف المصادر أن "حماس" تعتقد أن اللجنة هي المخرج الوحيد لإنهاء الحرب، وحاولت من خلال المحادثات مع "فتح"، دمج هيكلها الإداري والأمني ضمن اللجنة بصورة أساسية مع اعتماد رواتبهم ومستحقاتهم من ميزانية السلطة الفلسطينية، عدا عن طلب امتيازات أخرى يمكن القول إنها حزبية تخص "حماس" بالدرجة الأولى. بينما ترى "منظمة التحرير" العكس، وهو أن "اللجنة تُشرعن إقصاء السلطة من إدارة غزة على مبدأ تعامل الاحتلال مع الوقائع، من مبدأ، كل مؤقت دائم".
ويعتقد أن "حماس" وافقت على تشكيل اللجنة لإدارة القطاع، باعتبارها بوابة لإعادة دخولها في مشهد حكم وإدارة غزة من جديد، وبشكل مُختلف، خاصة في حال قبول دمج هيكلها الإداري والأمني والتخلص من أعبائه المالية، وهو ما سيمنحها فرصة في بسط نفوذها وسلطتها بحكم أن القاعدة الإدارية الأوسع ستكون لعناصر حكومة "حماس" التي كانت تدير القطاع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023.
ويوضح عزير المصري، أن مهام اللجنة في الأساس، تتركز في الإشراف على دخول المساعدات الإنسانية وإدارة المعابر ومن ثم إعادة الإعمار بعد نهاية الحرب، مشيرا إلى أنه مع تلك المهام وبالممارسة الواقعية على الأرض "لن تكون اللجنة قادرة بشكل كبير وفعال من إدارة قطاع غزة في ظل أزمات كارثية أصابت كل مناحي الحياة وتفاصيلها في غزة بسبب الحرب".
ويفسر عدم قدرة اللجنة على إدارة القطاع بشكل فعال، بسبب الدمار غير المسبوق الذي أصاب كافة مجالات الحياة في غزة، من الناحية الخدماتية واللوجستية، بالإضافة إلى أن اللجنة تحمل في طيات تشكيلها عوامل خلاف- بين "فتح" و"حماس"- أكثر من عوامل الاتفاق، إلى جانب عدم وجود ضمانات من إسرائيل والمجتمع الدولي لقبولها "وبالتالي لن تكون قادرة على الحصول على التمويل اللازم لإتمام عملها ومواجهة التحديات المتراكمة بفعل الحرب وكوارثها"، بحسب ما يقول المصري.

 أ ف ب
فلسطينية على انقاض منزل استهدفته غارة جوية اسرائيلية في 12 ديسمبر

وترفض دول عربية وغربية التعامل مع حركة "حماس" أو تقديم أي دعم في أي إطار سياسي فلسطيني تكون "حماس" جزءا منه، بحسب ما يقول المحلل السياسي، موضحا أن بعض الدول ومنها دول عربية، ترفض أيضا منح أي دور للسلطة الفلسطينية قبل إجراء إصلاحات جذرية في جسم وهياكل السلطة، وقبل مشاركتها في إدارة وإعادة قطاع غزة تحت سيطرتها وحكمها.

لأن نجاح اللجنة مرتبط بمدى قبول المجتمع الدولي وإسرائيل والدول العربية لها، من الافضل أن تدعو السلطة الفلسطينية، جامعة الدول العربية لمشاركة السلطة في إدارة القطاع

وبسبب الرفض الإسرائيلي لأي مشاركة فلسطينية في إدارة القطاع، إلى جانب الرفض من بعض الدول العربية والغربية، يعتقد المصري أن الفلسطينيين أمام واحد من الخيارات لطرح بدائل أكثر فاعلية وبشكل عملي يساهم في العمل على إنهاء الحرب، وخطط بديلة لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي للحرب للعمل على إعادة الإعمار وتقديم الخدمات لأكثر من مليوني مواطن فلسطيني في غزة عانوا على مدار أكثر من 14 شهرا من الحرب والنزوح والقتل والدمار على يد الجيش الإسرائيلي.
ولأن نجاح اللجنة مرتبط بمدى قبول المجتمع الدولي وإسرائيل والدول العربية لها، يقترح أن تدعو السلطة الفلسطينية، جامعة الدول العربية لمشاركة السلطة في إدارة القطاع عبر طلب مشاركة قوات عربية لإدارتها أمنيا، خاصة وأن نص الاتفاق المُسرب، لا يتطرق للملف الأمني، سواء في إدارته أو مرجعيته لمن ستكون، ولذلك "يمكن طلب مشاركة قوات عربية للسلطة في إدارة القطاع، وهناك دول عربية مستعدة للمشاركة في تقديم المساعدة اللوجستية".
أما عن الحل والاقتراح الثاني، فيكمن في إصرار كافة الأطراف الفلسطينية، على إعطاء الحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة محمد مصطفى، بعد تطعيمها بشخصيات وطنية، دورا لها في إدارة القطاع، وذلك من خلال المحادثات الجارية حول صفقة تبادل الأسرى ونهاية الحرب، ومُباحثات اليوم التالي، مضيفا: "على السلطة الفلسطينية و(حماس) تسويق هذا الطلب بقوة لدي العرب وأصدقائهم والمجتمع الدولي، خاصة وأن الحكومة الحالية، لها قبول أوروبي ودولي بحكم أنها حكومة تكنوقراط، وإذا كانت هناك مشكلة في شخص رئيس الحكومة الحالي، يمكن الطلب من شخصية وطنية مقبولة دوليا تشكيل حكومة فلسطينية لإدارة كافة الأراضي الفلسطينية على حدود عام 1967".

font change

مقالات ذات صلة