بغض النظر عمّن سيتولى السلطة في الحكومة السورية المقبلة، فالبيّن أن سقوط نظام الأسد ستكون له تداعيات بعيدة المدى على مستقبل سوريا والمنطقة ككل.
لقد عُرف النظام الذي أسسه حافظ الأسد في 1970 بقمعه المستمر للشعب السوري، إلا أنه أظهر قدرة استثنائية على الصمود مقارنةً بالاضطرابات السياسية التي عصفت بدول أخرى في المنطقة.وكانت الأيديولوجيا البعثية الصارمة للنظام، ولا سيما موقفه المتشدد في مفاوضات السلام المتعلقة بالقضية الفلسطينية، السمة البارزة لسياساته. واستمر هذا النهج مع بشار الأسد الذي خلف والده في رئاسة الجمهورية عام 2000.
وغالبا ما كان الخطاب الأسدي المعادي للغرب يدفع سوريا إلى مواجهات مباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها، ما وضع النظام ضمن تحالفات استراتيجية مع إيران وروسيا. وترجع العلاقات بين دمشق وموسكو، على وجه الخصوص، إلى الحقبة السوفياتية، بينما تعززت الشراكة مع إيران بفعل المعارضة المشتركة للنفوذ الغربي.
ومعروف أن الدعم المستمر من روسيا وإيران خلال الحرب الأهلية السورية الممتدة كان الأمر الحاسم في بقاء نظام الأسد، فبينما استهدفت الغارات الجوية الروسية معاقل المعارضة في مدن مثل حلب، فقد قدمت قوات "الحرس الثوري الإيراني" دعما بريا أساسيا، عُزز بمقاتلين من "حزب الله" القادمين من لبنان.
ولا ريب في أن الإطاحة غير المتوقعة بالرئيس بشار الأسد، الذي فرّ إلى روسيا برفقة عائلته، هي نقطة تحول مفصلية في تاريخ البلاد، قد تقدم للشعب السوري فرصة للخروج من عقود من القمع، ولكنها في الوقت نفسه تفرض تحديات عميقة على علاقات البلاد الخارجية.
ويثير رحيل الأسد تساؤلات ملحة حول علاقات سوريا مع داعميها السابقين، روسيا وإيران، اللتين سيتعين عليهما الآن إعادة تقييم استراتيجياتهما في غياب حليفهِما القديم في دمشق.لقد كان تخلف طهران وموسكو عن التدخل بفعالية لوقف تقدم قوات المعارضة في معظم أنحاء سوريا عاملا حاسما في الإطاحة المفاجئة بالأسد. وكان انشغال إيران بدعم "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان وتركيز روسيا على الحرب في أوكرانيا هما العاملان اللذان حدّا من قدرتَيهما على مساعدة النظام في الصمود كما حدث أثناء الحرب الأهلية.
وقد التقط الأمين العام لحلف "الناتو"، مارك روته، تخلف البلدين عن تقديم الدعم، وسارع إلى تبيان أنهما "شريكان لا يمكن الاعتماد عليهما"، محذرا الدول الأخرى من الاعتماد عليهما في المستقبل.