عندما تبحث في الموسوعة العالمية "ويكيبيديا" عن الملحنين اليمنيين تجد سيطرة واضحة للرجال. فعالم التلحين في الدول العربية ارتبط عادة بأسماء رجال، ومن النادر أن تجد اسم امرأة ملحنة، فما بالك إن كانت هذه المرأة من مجتمع يصنف منغلقًا اجتماعيا مثل المجتمع اليمني. لكن الملحنة والشاعرة اليمنية جمانة جمال كسرت هذه القاعدة.
قرأت مقالا لـرامي الأمين في موقع "ارفع صوتك" يتحدث فيه عن الملحنات العربيات، ومنهن أم كلثوم. ثم يقتبس المقال كلمات الناقد والباحث في مجال الموسيقى فادي عبدالله الذي يرى أن حضور الملحنات في الموسيقى العربية يمكن العثور عليه في مرحلة الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد. يقول: "فمن يطالع كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني يجد أخبارا عن ملحنات معروفات، بل ومنهن أخت الرشيد التي تبعث جاريتها بلحنها المحكم إلى إبراهيم الموصلي".
ولكن في عصرنا الحالي قل جدا وجود الملحنات العربيات، أما في اليمن فلم نسمع عن ملحنة يمنية مسبقًا إلى أن ظهرت هذه الشابة الصغيرة في العشرينات من عمرها. جمانة جمال التي استطاعت خلال أربع سنوات فقط أن تصل لكتابة كلمات، وتلحين أغانٍ لكبار الفنانين مثل كاظم الساهر وأصالة نصري وعبدالمجيد عبدالله وعبدالله الرويشد ونوال الكويتية.
من هي جمانة جمال؟
توفيت والدة جمانة في صغرها. وهي في عمر السبع سنوات، فقضت الكثير من فترة المراهقة في عزلة مع الكتب والموسيقى، واكتشفت موهبتها في كتابة الشعر وهي في عمر الثانية عشر. وكتبت قصيدة في وقتها ترد بها على قصيدة "الحزن" لنزار قباني... علمني حبك أن أحزن. فقد أحبت الكلمات بصوت "كاظم الساهر" وكتبت:
علمني حبك أن أكبر
وأنا ما زلت صغيرة ...لا أعرف ما معنى الشبان
لا أعرف غير أبي رجلا
لا أدرك ما معنى الأحزان
علمني حبك ما المرآة وما الألوان
علمني أنك يوما ما آت بحصانك كالفرسان
لا أعلم ماذا علمني
أو ماذا قد أصبحت الآن
يسعفني قول القباني
علمني حبك ما الهذيان
وربما لم تعلم في ذلك الوقت أنها في المستقبل ستكتب أغنية لكاظم الساهر.
رغم أن جمانة جمال دخلت عالم الفن الخليجي فإنها لم تنسَ الفن اليمني، فقامت بالتعاون مع عدة فنانين يمنيين مثل حسين محب، ووليد الجيلاني، والفنانة اليمنية هديل
يقول كاظم الساهر في فيديو عن جمانة جمال: "قصيدة جمانة جمال (مررتِ بصدري) الكلام الرائع طبعا، أنا عشقت الكلام، أول ما قُرأ لي... كان عن طريق مهندس الصوت إيهاب نبيل، اتصل بي وقال: كاظم اسمع لهذه الشاعرة. فلما بعث لي أول أربعة أسطر قلت له على طول أريدها تكمل لي ياها". وقال أيضا كأن من كتب الكلمات شخص عمره أربعون عاماً.
تقول كلمات الأغنية:
مررتِ بصدري وحان البكاء
فتباً لدمعي وهذا اللقاء
تركتِ دموعي على راحتي
وأشعلتِ في القلب حفل عزاء
جمانة فتاة واثقة من موهبتها جدا، قالت لي ضاحكة إنها كانت واثقة أن كاظم الساهر سيحب الكلمات، فهي تفهمه جداً وتفهم ذوقه وما يحب. ذكاؤها هذا ساعدها أيضًا على العمل مع فنانين وفنانات من جنسيات عربية مختلفة، وتقول جمانة إن هذه الثقة بموهبتها سببها عائلتها الصغيرة التي دعمتها، قالت لي "أنا محظوظة فلدي عائلة داعمة، والدي وإخوتي الكبار شجعوني ويحبون كلماتي وأيضًا صوتي عندما أغني".
كيف بدأت موهبة جمانة؟
جمانة ليست من عائلة فنية ولكنها أحبت الفن منذ صغرها، تعزف العود والجيتار والأورج. وكانت عائلتها تتوقع منها أن تدرس في مجال علمي، ولكنها كانت تريد أن تدرس الأدب، وانتهى بها الحال أن درست برمجة كمبيوتر، ولكن موهبتها ظهرت للنور أثناء فترة دراستها، واكتشف موهبتها الملحن ياسر بوعلي- الأمير نايف بن سلمان- فكانت بدايتها في ألبوم "سفينة نوح" الذي أشرف عليه ناصر بوعلي للفنان ناصر نايف، حيث كتبت ولحنت أغنيتين "ما في اليد حيلة"، و"بيّن معدنه بدري" والتي وصلت مشاهداتها على "يوتيوب" لمليون مشاهدة في أسبوع واحد، ثم كتبت ولحنت أغنية للفنان عبدالله الرويشد ولحنت للفنانة نوال الكويتية. وأيضا لحنت أغنية المنتخب السعودي "عاشق الفوز" والتي غناها عبدالمجيد عبدالله. ومؤخرًا لحنت للفنانة أصالة أغنية الكرسي والتي عند سماعها تلاحظ أن جمانة صنعت خليطاً جميلاً متعدد الثقافات.
الفن اليمني
رغم أن جمانة جمال دخلت عالم الفن الخليجي فإنها لم تنسَ الفن اليمني، فقامت بالتعاون مع عدة فنانين يمنيين مثل حسين محب، ووليد الجيلاني، والفنانة اليمنية هديل.
تصف جمانة الفن اليمني قائلة: "عندي فن يمني خام أستطيع أن أصنع منه ملحمة غنائية لمئة سنة".
هناك الكثير من اليمنيات الموهوبات اللواتي لم يسمح لهن المجتمع بأن يظهِرنَ موهبتهن، ولذلك جمانة ممتنة كثيرًا لعائلتها وتقول إن العائلة تلعب دورا كبيرا خاصة في المجتمع اليمني
تقول جمانة إنها تحب فن يهود اليمن، واستخدمت لحنًا يهوديا في أغنية "يا محور الكون" للفنان صمد صدق، التي كتبت كلماتها ولحنتها وترشحت الأغنية لجائزة "Joy Awards" في عام 2022.
"المرأة في كلماتي ليست مجرد جسد"
تكتب جمانة كلمات أغاني حب، وغزل في المرأة وقالت إن ذلك كان مستغربا، ولكنها تقول: "بالعكس أنا أفهم مشاعر المرأة، وأستطيع أن أعبر عن الرجل الذي يحبها ليس فقط كجسد، وإنما يصفها، ويصف المطر والسماء وكأنها جزء من جمال الطبيعة".
تقول كلماتها في أغنية "قمري ملثم":
شفتها والجو غايم
والمطر عادو زنينة
والسُحب من فوق خلي
كلها ذوق وسكينة
يا رياح الشوق هلي
عن شماله أو يمينه
ارفعي عنه لثامه
ليت من يلمح جبينه
هذه الشاعرة والملحنة رغم ثقتها الكبيرة بنفسها فإنها خجولة ولا توجد أي صورة لها في وسائل التواصل الاجتماعية، قالت إن أحد الفنانين طلب منها أن تصعد إلى المسرح ليحييها، فشعرت بالخجل الشديد والارتباك، وتقول إن خجلها هذا- ربما- ناتج عن أنها قضت سنوات طويلة مع الكتب والموسيقى، والتي كونت هذه الشخصية الرقيقة الخجولة.
هناك الكثير من اليمنيات الموهوبات اللواتي لم يسمح لهن المجتمع بأن يظهِرنَ موهبتهن، ولذلك جمانة ممتنة كثيرًا لعائلتها وتقول إن العائلة تلعب دورا كبيرا خاصة في المجتمع اليمني.. "فهناك عائلة قد تحجم موهبتك، وعائلة تدعمك بأن تصل لما تريده". وبالتأكيد هناك استثناءات لمن وصلن لطموحاتهن رغم رفض عائلاتهن، ورغم صعوبة هذا الطريق.