من جهة أخرى، دأبت المعارضة على وصف النظام بـ"النظام العلوي"، معتبرة إياه ليس فقط ديكتاتورية عنيفة بل شكل من أشكال القمع الطائفي. وبالنسبة للعلويين، كانت الروابط القبلية والعائلية غالبا أكثر تأثيرا من الروابط الدينية. وفي المقابل، لعب الدين دورا محوريا لدى الأغلبية السنية في سوريا، حيث اعتبر الكثير من السنة أن العلويين "غير مسلمين ومهرطقون".
هذا التباين في التصورات خلق فجوة كبيرة، فبينما رأى السنة أن الديكتاتورية قمع طائفي ديني من قبل العلويين، لم يكن النظام، ذو التوجه العلماني، يعطي أهمية كبيرة للدين. ومع ذلك، أخذ النظام بعين الاعتبار الدوافع الدينية لمعارضيه من غير العلويين، خاصة الإسلاميين السنة، الذين كان يُخشى أن يؤدي انتصارهم إلى انتقام ضد الطائفة العلوية بعد سقوط النظام الذي تهيمن عليه هذه الطائفة نفسها.
خلق آمال زائفة
في اجتماع عُقد في جنيف عام 2016، حضرتُه مع وفد التفاوض التابع للمعارضة السورية ومبعوثين خاصين بسوريا، طرح "كبير المفاوضين" في الهيئة العليا للمفاوضات آنذاك، محمد علوش- وهو أيضا قائد "جيش الإسلام"- سؤالا محوريا حول الإجراءات التي ستتخذها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لتنفيذ القرار 2254. فقد كان هذا القرار ركيزة أساسية لاستمرار المفاوضات.
وجّه علوش سؤاله تحديدا إلى ممثلي الدول الثلاث الدائمة العضوية في مجلس الأمن الحاضرين في الاجتماع (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا). جاء الرد سريعا ومطمئنا من أحدهم الذي قال بثقة: "نحن ملتزمون". ربما قال ذلك للتعبير عن سياسة حكومته، لكن في الواقع، كان هذا الوعد مجرد كلمات جوفاء. فتنفيذ القرار 2254 كان يتطلب تدخلا عسكريا، وهو أمر لم تكن أي من هذه الدول مستعدة للقيام به.
بعد الاجتماع، تحدثت بشكل سري مع رئيس الوفد السوري، يحيى القضماني، وشاركته تقييمي للوضع. أوضحت أن تنفيذ هذا القرار يعتمد بشكل أساسي على التدخل العسكري، وهو أمر مستبعد تماما في ظل الظروف الراهنة. وبالتالي، كان من الواضح أن شيئا لن يحدث على أرض الواقع.
كان هذا الموقف مجرد مثال على الكيفية التي خلقت فيها آمال زائفة لدى المعارضة. الأمر نفسه ينطبق على تصريحات السياسيين الغربيين الذين دعوا إلى إنشاء مناطق آمنة، أو مناطق حظر طيران، أو ممرات إنسانية. ورغم أن هذه التدابير كانت ضرورية للغاية ومبررة- خصوصا لمنع النظام من استهداف المدنيين في مناطق المعارضة وتوفير ملاذات آمنة للاجئين السوريين- كان واضحا أن تنفيذها يتطلب تدخلا عسكريا.
السياسيون المعنيون لم يكونوا مستعدين لاتخاذ هذه الخطوة، ورغم ذلك، أطلقوا تصريحات أدت إلى رفع سقف التوقعات لدى المعارضة. هذه التصريحات، رغم أنها بدت مشجعة، لم تكن مدعومة بأي التزامات عملية، مما جعلها مجرد وعود واهية لا تسندها أفعال.
الصراحة والواقعية أفضل أشكال الصداقة
لطالما اعتقدتُ أن تقديم تقييم واقعي وصادق هو أفضل شكل من أشكال الصداقة تجاه الشعب السوري، مقارنة بإطلاق وعود فارغة وخلق توقعات زائفة.
غالبا ما بدت تصورات الكثير من المراقبين قصيرة النظر أو غير واقعية. كانوا يدركون تماما دكتاتورية النظام السوري الشديدة وقمعه الوحشي، ومع ذلك تبنوا سيناريوهات تفترض أن النظام سيقدم تنازلات تتعارض تماما مع طبيعته. وينطبق الأمر ذاته على بعض جماعات المعارضة، التي كانت تعتقد أن بإمكانها إسقاط النظام من خلال مفاوضات يُفترض أن تؤدي إلى استسلامه الكامل وإحالته إلى المحاكمة.