يبدأ الفيلم السعودي "صيفي" بمشهد البحر المفتوح، حيث يلوح الشفق كحدود مجهولة، ثم يظهر رجل منهك كأنه خارج من صراع وجودي، يحمل حقيبة، ويقف لاهثا على الرمل المبلل. في لحظة تبدو فجرا جديدا، ينسحب هدير الموج تدريجيا، ويصبح صوت تنفّس الرجل أوضح، كأن البحر ذاته يهدأ ليمنح البطل فرصة أخيرة للتنفس.
هذا هو المدخل الذي اختاره المخرج والكاتب السعودي وائل أبو منصور لفيلمه الطويل الثاني بعد "مدينة الملاهي" (2020)، والذي شهد عرضه الأول ضمن الدورة الرابعة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة، وهو ينافس إلى جانب 15 فيلما عربيا ودوليا آخر ضمن "مسابقة البحر الأحمر" المخصصة للأفلام الطويلة.
زمن التسعينات
"صيفي" ليس مجرد إضافة جديدة إلى الإنتاج السينمائي السعودي، بل هو عمل يحمل ثقل التوقعات، خاصة أنه لمخرج يُعوّل عليه الكثير. يزيد من أهمية هذا الفيلم كونه الإنتاج الوحيد لهذا العام من "تلفاز 11" التي أثبتت مكانتها كمحرك رئيس في تطور المشهد السينمائي السعودي.
يروي "صيفي" قصة صيفي (أسامة القس) وهو رجل أربعيني يتشبث بحبال الحياة بينما ينهار عالمه تدريجيا من حوله، في وسط يشبه المرآة التي تعكس ملامح زمن التسعينات من القرن الماضي، تلك الحقبة المليئة بالتناقضات، وبالشخصيات التي تقف على تقاطع الفن والدين والسياسة، وتنبض بصخب الأشرطة والتسجيلات التي تحمل أصواتا وخطبا سرية، مثل قنابل موقوتة تهدد بانفجار الحقائق وكشف المستور.
يعيش صيفي إذن في قلب تناقضات ذلك الزمن، غارقا في وهم الثراء السريع. يدير متجرا لبيع أشرطة الكاسيت (شريط الكون)، بما فيها تلك التي تحتوي على خطب دينية ممنوعة وتسجيلات سرية يُزوده بها المهدي (حسام الحارثي)، المستشار الديني لرجل الأعمال والشيخ المعروف أسعد أمان (أحمد يماني). على الجانب الآخر، يدير صيفي فرقة شعبية تُحيي حفلات الأفراح الجماعية، بمساعدة صديقه المخلص زرياب (براء عالم).