أسعار الإسعاف غير الطارئ للمصريين تحتاج الى إسعاف

أعباء جديدة بسبب إصلاحات صندوق النقد الدولي وقلق من خصخصة القطاع الصحي

أسعار الإسعاف غير الطارئ للمصريين تحتاج الى إسعاف

دقت زيادة أسعار خدمات الإسعاف غير الطارئة في مصر ناقوس الخطر، بعدما تجاوزت حاجز الـ300 في المئة، لتضرب على وتر الأوجاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المصريون جراء ضغوط سياسات صندوق النقد الدولي التي يرونها مجحفة. الشعور العام في البلاد أنه في كل مرة تزور القاهرة بعثة للصندوق، لمناقشة برنامج الإصلاح الاقتصادي ومراجعته لصرف شريحة جديدة من القرض، تنزلق معها شرائح جديدة من المواطنين إلى معاناة أشد.

لكن عندما تتعلق الزيادات بمرفق حيوي يهم غالبية الشعب المصري، الذي تضطره الأقدار للاستعانة بسيارات الإسعاف في الحالات الصحية الطارئة وغير الطارئة، يجد أن هذه الخدمة لم تسلم من ارتفاعات الأسعار غير المبررة. فقد كانت هذه الخدمات تُقدَّم حتى وقت قريب مجاناً للحالات الطارئة، وبتكاليف زهيدة لغير الطارئة. وواجهت هذه الزيادات، بما في ذلك التعاقدات والتأمينات، العديد من الانتقادات، التي تأتي في سياق سياسة إلغاء الدعم ورفع أسعار المنتجات والخدمات الحكومية.

وفي ظل مطالبات بأن تكون بعض هذه الخدمات الصحية والإسعافية مجانية، ارتفعت تكلفة خدمة الإسعاف غير الطارئ إلى مستويات تصل في بعض الحالات إلى تسعة آلاف و100 جنيه (195 دولاراً).

ارتفعت تكلفة خدمة الإسعاف غير الطارئ إلى مستويات تصل في بعض الحالات إلى تسعة آلاف جنيه (195 دولاراً)

على الرغم من ذلك، شددت هيئة الإسعاف على استمرارها في نقل الحالات الطارئة، والأطفال "المبتسرين"، والحالات المرضية كلها بين المستشفيات الحكومية مجاناً. وأرجعت الهيئة ووزارة الصحة الزيادات في الأسعار إلى ارتفاع التكلفة التشغيلية لأسطول الهيئة، الذي يضم نحو ثلاثة آلاف سيارة، نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات هذا العام ثلاث مرات، مما زاد تكلفة الصيانة وأتعاب الأطقم الطبية العاملة عليها. وأثار هذا القرار استياء المواطنين وبعض أعضاء مجلس النواب المصري، إذ تقدم بعضهم بطلبات إحاطة موجهة إلى رئيس الحكومة ووزير الصحة والسكان في شأن أسعار الإسعاف غير الطارئة، مطالبين بتخصيص سيارات لنقل المرضى الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن مجاناً.

أ.ف.ب.
أطباء يعتنون بأطفال فلسطينيين خدج تم إجلاؤهم من غزة في مستشفى بالعاصمة الإدارية الجديدة في القاهرة.

تتباين خبرات المصريين مع خدمات الإسعاف بين الإشادة بالتطور الذي شهده هذا المرفق والشكوى من بطء الوصول أحياناً، لكنهم اتفقوا على انتقاد الأسعار الجديدة للخدمات غير الطارئة، معتبرين ذلك حقاً منصوصاً عليه في المادة 18 من الدستور المصري التي تكفل حقوق المواطنين في الرعاية الصحية.

المبالغة في أسعار خدمات الإسعاف

رفعت هيئة الإسعاف المصرية أسعار خدماتها غير الطارئة داخل القاهرة الكبرى وبين المحافظات (27 محافظة) إلى ما بين 550 جنيها (11دولاراً) وتسعة آلاف و100 جنيه (195 دولاراً). وتتراوح تكلفة نقل الحالات غير الطارئة داخل المحافظة بين 450 جنيهاً (9 دولارات) وثلاثة آلاف و775 جنيهاً (76 دولاراً). كذلك حددت هيئة الإسعاف أسعار خدمات التأمين للجهات الخارجية مثل تأمين المنافسات الرياضية، وتصوير الأفلام والمسلسلات، والحفلات، أو انتخابات الجمعيات العمومية، بقيم تتراوح بين 400 جنيه (8 دولارات) و49 ألف جنيه (980 دولاراً). فمثلاً، تبلغ قيمة تأمين مباريات مراكز الشباب بين 750 جنيهاً (15دولاراً) وألف جنيه (20 دولاراً)، والدوري دون الممتاز بين ألف جنيه (20 دولاراً) وألف و250 جنيهاً (25 دولاراً)، أما في مباريات الدوري الممتاز فتصل إلى 2500 جنيه (50 دولاراً)، وتأمين اليوم الرياضي (ست ساعات) إلى ما بين خمسة آلاف (100 دولاراً) وخمسة آلاف و900 جنيه (118دولاراً) ، وتأمين انتخابات الجمعية العمومية إلى 12 ألفاً و500 جنيه (250 دولاراً) ، وتأمين يوم تصوير إلى 49 ألف جنيه (980 دولاراً).

يعبّر العديد من المواطنين عن رفضهم لقرارات الحكومة التي تُظهر توجهاً للتربح من هذه الخدمات، بينما يعلّق البعض آمالاً على مجلس النواب لتحقيق توازن في مطالب صندوق النقد للإصلاحات الاقتصادية بخروج الحكومة من الأنشطة الاقتصادية من خلال استثناء الخدمات الصحية. ووسط مطالبات الحكومة بضرورة الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، يخشى البعض من أثر هذه الزيادات في الفقراء، إذ قد يضطرون إلى استخدام وسائل غير مجهزة لنقلهم، ما قد يضر بصحتهم، ولاسيما منهم كبار السن الذين لا يتحركون من منازلهم إلا إلى المشافي والعيادات ويكونون في أمسّ الحاجة إلى النقل المجهز.

تُعتبَر الخدمات الصحية، ومن ضمنها قطاع الإسعاف، خدمات عامة يكفلها الدستور للمواطن بالمجان، باعتبار أن الضرائب التي يدفعها المواطن يجب أن تعود إليه في صورة خدمات مجانية ومن دون مقابل

سميرة الجزار، عضو مجلس النواب

في هذا السياق، أعربت سميرة الجزار، عضو مجلس النواب، عن اعتراضها على تلك الزيادات التي أقرها مرفق الإسعاف. وقالت في حديث إلى "المجلة": "تُعتبَر الخدمات الصحية، ومن ضمنها قطاع الإسعاف، خدمات عامة يكفلها الدستور للمواطن بالمجان، باعتبار أن الضرائب التي يدفعها المواطن يجب أن تعود إليه في صورة خدمات مجانية ومن دون مقابل". وأوضحت أن من يلجأ إلى طلب سيارة إسعاف "يفعل ذلك لعدم قدرته على الحركة وليس للتنزه، مثل حالات الكسور وعدم القدرة على استخدام وسائل النقل، فيطلب النقل بطريقة متخصصة بما لا يؤدي إلى مضاعفات".

وأشارت الجزار إلى أنها، وعدداً من أعضاء مجلس النواب، تقدموا بطلب إحاطة موجه إلى الحكومة في شأن قرار رفع أسعار طلب سيارات الإسعاف، مطالبين بتخصيص سيارات إسعاف لنقل المرضى الفقراء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة مجاناً. وأرجعت التأخير في النظر في العديد من طلبات الإحاطة المقدمة في هذا الشأن إلى انشغال الحكومة بالمشاكل الاقتصادية والتموينية، ومراجعات صندوق النقد الدولي، وخفض خدمة الدين، إضافة إلى الأوضاع الجيوسياسية في السودان، وغزة ولبنان.

Shutterstock
سيارة إسعاف تنقل مصابا في حادث طريق، القاهرة، 26 مارس 2024.

وأكدت الجزار أهمية مناقشة طلبات الإحاطة في لجنة الصحة المختصة لاستدعاء المسؤولين في هذا القطاع لمناقشتها، لكنها أعربت عن أسفها لعدم وجود جدوى أو اهتمام من الحكومة. وأشارت إلى أن الحكومة لم تأخذ رأي مجلس النواب في مثل هذه الزيادات، مشددة على ضرورة موافقة البرلمان في حال إقرار الحكومة برامج للحماية الاجتماعية وزيادة المرتبات والمعاشات.

قلق من خصخصة القطاع الصحي

وطالبت الجزار بالإسراع في تعميم نظام التأمين الصحي الشامل، الذي جرى تنفيذه في ست محافظات فقط على مدار السنوات الست الماضية، وأعربت عن قلقها من استمرار ضغوط صندوق النقد على الحكومة، مما أدى إلى التركيز على المشاريع القومية الكبرى بدلاً من تحسين أوضاع المواطنين. كذلك حذّرت من إحلال الدعم النقدي محل الدعم العيني في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار.

تعد مصر الدولة الوحيدة في العالم التي تعلن بناء مجمعات سكنية فارهة وفي الوقت ذاته تطلب تبرعات لدعم القطاع الصحي

حنان رمسيس، خبيرة اقتصادية

من جهة أخرى، اعترضت الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس على احتمال خصخصة القطاع الصحي داخل مصر ورفع أسعار الخدمات الصحية، ومن ضمنها خدمات الإسعاف، مشيرة إلى "ضرورة تقديم هذه الخدمات بأسعار في متناول المواطنين كافة". وتساءلت عن جدوى رفع الأسعار إلى مستوى يتجاوز 195 دولاراً لطلب سيارة إسعاف، مشددة على وجوب أن تكون هذه السيارات مجهزة ومزودة بطبيب على درجة عالية من الكفاءة.

Shutterstock
مركز طبي مجهز بمعدات طبية للحالات الطارئة في القاهرة.

وأضافت رمسيس أن مصر "تُعَدّ الدولة الوحيدة في العالم التي تعلن بناء مجمعات سكنية فارهة وفي الوقت ذاته تطلب تبرعات لدعم القطاع الصحي". واقترحت توسيع مظلة التأمين الصحي الشامل "لتغطي المواطنين جميعاً بدلاً من حسم مبالغ تأمين صورية". وأعربت عن قلقها من دخول مرفق الإسعاف في عملية الخصخصة، مؤكدة "أن رفع أسعار الخدمات في قطاع الإسعاف غير الطارئ ليس له مردود اقتصادي كافٍ لتبريره".

إقرأ أيضا: مقاومة مضادات الميكروبات تحصد أرواح الملايين

من جهته، أعلن رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، محمود العسقلاني، رفضه التام لهذه الزيادات، مشيراً إلى "ضرورة أن تكون القطاعات الخدمية بمنأى من الخصخصة والليبيرالية الاقتصادية"، وأكد "أن هذا القطاع الحساس لا يصلح أن يكون ضمن اتفاقات صندوق النقد". وأشار إلى أن خفض النفقات الحكومية "يجب أن يبدأ من السيارات الفارهة والمواكب الحكومية بدلاً من تحميل المواطنين أعباء إضافية". وتساءل عن "الميزة الحقيقية التي يمكن أن تحققها الحكومة من فرض رسوم على قطاع الإسعاف بدلاً من تقديم خدماته مجاناً، ولا سيما في الحالات الإنسانية التي يتعذر على المرضى تحمل تكاليفها".

وبررت هيئة الإسعاف المصرية قرارها زيادة الأسعار بأن التكلفة التي أعلنتها لا تغطي التكاليف الأساسية لتشغيل سيارات الإسعاف. وأشارت إلى أن الأنظمة القديمة المقرة عام 2009 لم تُعدَّل على الرغم من ارتفاع أسعار المحروقات خلال السنوات الثماني الماضية. كذلك أكدت أن الأسعار الجديدة لا تزال مدعومة من الدولة، مع مراعاة البعد الاجتماعي للحالات غير القادرة مالياً، والحوادث، ونقل المرضى بين المستشفيات الحكومية.

font change

مقالات ذات صلة