لم تعد تطورات الأحداث في سوريا مفاجئة، وإنما باتت تثير الاستغراب. فروسيا قررت سحب دعمها لبقاء بشار الأسد في الحكم، وإيران تفكر بالتعامل مع سيطرة الفصائل المعارضة على الحكم باعتباره أصبح أمرا واقعا، وغيرت خطابها في وصفهم من "الإرهابيين" إلى "الجماعات المعارضة". أما تركيا فلم تخف تدخلها عندما أعلنت أن الهدف النهائي لهذه الجماعات المسلحة هو دمشق، وأعلنها الرئيس رجب طيب أردوغان أن الأسد رفض الجلوس والحوار معه لتحديد مستقبل سوريا. والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب كتب على منصة "X": "هذه ليست معركتنا.. دع الأمور تحدث ولا تتدخل".
سوريا الدولة التي تآكلت شرعية طبقتها الحاكمة، والتي تصدرت تصنيف الدول الفاشلة، وأصبحت سيادتها مخترقة ومتنازعا عليها بين نفوذ إقليمي ودولي، وفق كل هذه الوقائع فإن التفكير ببقاء نظام الحكم فيها يخضع لرهان عامل الزمن ليس أكثر. فالقاعدة العامة التي تحدد بقاء أو انهيار نظام الحكم في الدول الهشة، يرتهن ببقاء الدعم الخارجي له، لأن البلاد التي تتحول إلى ساحة لصراع دول إقليمية، يكون نظام حكمها مشابها لمسرح الدمى.
ورغم أن الأحداث تدور على أرضها، فإن الموضوع أكبر من قضية سوريا ونظام حكمها والقوى المعارضة وفصائلها المسلحة. وإنما هو فشل مشروع إقليمي-دولي، وبداية مرحلة جديدة لإعادة هندسة النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط. المشروع الإيراني الذي بدأ قبل عشرين عاماً بفكرة "الهلال الشيعي" وتشكل بعنوان "محور المقاومة"، وتمظهر بعد الاستثمار بمنجز "حزب الله" في تحقيق انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وفرض نفوذه وأجندته على التغيير السياسي في العراق بعد 2003، وعمّق حلفه الاستراتيجي مع نظام بشار الأسد في سوريا لمواجهة الأميركيين في العراق، وتمركز في اليمن بعد سيطرة الحوثيين هناك، كل هذه المنجزات التي حققتها إيران، كان من أول تحدياتها أحداث سوريا في 2011، والتي تحولت إلى استنزاف للمشروع الإيراني. وصحيح أن إيران نجحت في الحفاظ على حكم الأسد لمدة 13 عاماً، لكن الثمن هو قبول تقاسمها النفوذ مع روسيا وتركيا والولايات المتحدة. حتى أصبحت اليوم خارج معادلة النفوذ بسقوط حكم الأسد.