لعل أبرز ما يميز دعاة "فكر الاختلاف" هو تحديدهم للهوية على أنها انتقال وعبور. إنها عندهم حركة. ومن يتحدث عن الحركة والعبور لا بد أن يستحضر قنطرات الوصل فينفي الجدران العازلة.
عندما يرسم فوكو، على سبيل المثل، مبدأ الهوية على الشكل أ = أ، فإن ما يهمه في الرسم ليس طرفي التطابق والمساواة، وإنما قنطرة العبور الفاصلة/ الواصلة بينهما. ذلك أن هذه المساواة تنطوي، في نظره، على حركة داخلية لامتناهية تُبعد كل طرف من طرفيها عن ذاته، وليس عن نقيضه فحسب، وتقرب بينهما بفعل ذلك التباعد نفسه. يتعلق الأمر ببعد إيجابي بين المتخالفين، إنه البعد الذي ينقل أحدهما نحو الآخر من حيث هما مختلفان. إلى المعنى نفسه يذهب جاك دريدا حينما يحدد الهوية على أنها حركة توليد الفوارق والاختلافات، "إنها انتقال ملتو ملتبس من مخالف الى آخر، انتقال من طرف التعارض الى الطرف الآخر".
انتقال وعبور
يعتبر هؤلاء أنهم عندما يعينون الهوية كحركة انتقال وعبور passage، فإنهم لا يعملون إلا على الرجوع بكلمة "اختلاف" إلى أصلها الاشتقاقي. الديفيرانس الفرنسية منقولة عن الكلمة الإغريقية ديافورا، وفورا آتية من الفعل فيري، الذي يعني في الإغريقية، ثم في اللاتينية، الحمل والنقل... الاختلاف ينقل ما يسبق في الكلمة ديافورا فورا، أي السابقة ديا التي تعني ابتعادا وفجوة. الاختلاف ينقل طبيعتين لا تتميزان في البداية، مبعدا إحداهما عن الأخرى، إلا أن هذا الابتعاد ليس انفصاما، إنه على العكس من ذلك يُقرب بين الطرفين اللذين يُبعد بينهما.
ما يهم في هذا التحديد لمفهوم الهوية في طبيعة الحال، ليست لحظة الإبعاد بين الطرفين، إذ إن ذلك يبدو من بدهيات كل تضاد وتخالف، المهم هنا هو كون الاختلاف إذ يُبعد الطرفين، أحدهما عن الآخر، يقرب بينهما في الوقت ذاته. المهم هو القنطرة والعبور. إلا أن هذا التقريب غالبا ما يُهمَل في تحديد الاختلاف، وحتى إن أُخِذ في الاعتبار، فإنه يُرَدّ إلى مجرد لحظة التركيب الجدلية.