موازنة السعودية 2025: هندسة حذرة هدفها النمو والاستقرار

عجز بمعيار أوروبي وإنفاق توسعي ونأي عن انخفاض سعر النفط

رويترز
رويترز
العاصمة السعودية الرياض، في 15 نوفمبر 2024

موازنة السعودية 2025: هندسة حذرة هدفها النمو والاستقرار

تشكل موازنة المملكة العربية السعودية لعام 2025، التي أعلنت الأسبوع المنصرم، محاولة للاستمرار في الإنفاق الاستثماري الأساسي لتنويع موارد الاقتصاد مع الحفاظ، في الوقت نفسه، على استقرار مالي يضمن عدم التأثر بتراجع أسعار النفط، الذي لا يزال المصدر الرئيس للإيرادات الحكومية.

وأعلنت السعودية تقليصا طفيفا في الإنفاق الحكومي لعام 2025 في مؤشر جديد الى أن المملكة ستلتزم الحذر المالي في ظل انخفاض محتمل لأسعار النفط، مصدر الإيرادات الحكومية الرئيس.

ويقول مسؤولون سعوديون إن موازنة 2025، أجريت حساباتها بعناية من أجل حماية الاقتصاد من أي أزمة عالمية محتملة، مع تعزيز النمو والسعي لتحقيق الاستثمارات المطلوبة لتنفيذ رؤية 2030، خطة ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الطموحة لتطوير القطاعات غير النفطية بما في ذلك السياحة والمواصلات، والتكنولوجيا، والتصنيع، والرياضة.

اقتصاد السعودية لديه القدرة على التعامل مع السيناريوهات المختلفة كما شاهدنا خلال السنوات الخمس الماضية، مثل الصدمات الآتية من خارج السعودية كالحروب وانقطاع سلاسل الإمداد والأوبئة

وزير المالية السعودي، محمد الجدعان

 وأشار وزير المالية السعودي محمد الجدعان إلى أن الحكومة أخذت في الحسبان "وضع الاقتصاد العالمي والأحداث الجيوسياسية والأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها مثل جائحة 'كوفيد-19'". و أضاف في مقابلة مع قناة "الشرق" أن "اقتصاد السعودية لديه القدرة على التعامل مع السيناريوهات المختلفة كما شاهدنا خلال السنوات الخمس الماضية، مثل الصدمات الآتية من خارج السعودية كالحروب وانقطاع سلاسل الإمداد والأوبئة".

تحتاج المملكة إلى سعر نفط يتراوح بين 90 و100 دولار للبرميل لتحقيق التوازن في موازناتها، وفقا للمؤسسات المالية العالمية، من ضمنها "صندوق النقد الدولي". وتبلغ أسعار النفط حاليا نحو 70 دولارا، ولا تزال التوقعات سلبية لعام 2025 لمجموعة عوامل.

فالصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، لا تزال تواجه تحديات تؤثر بشكل كبير على الطلب العالمي على النفط، وكذلك الأمر بالنسبة الى التحول المتزايد في اتجاه السيارات الكهربائية. في المقابل، هناك زيادات مرتقبة في الطاقة الانتاجية في الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغيانا وكازاخستان، ستعزز عرض النفط. كما أننا قد نشهد اندفاعا جديدا لزيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب المعروف بشعاره الداعم للوقود الأحفوري: "أحفر، يا عزيزي، أحفر".

رويترز
مصنع بتروكيماويات في مدينة الجبيل الصناعية شرق السعودية، 1 مارس 2022

على الرغم من تقليص توقعات موازنتها للعام المقبل، تأمل الحكومة السعودية تسجيل عجز هو الثالث منذ عام 2022، وهي آخر سنة سجلت فيها فائضا، نتيجة ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 120 دولارا للبرميل بسبب الحرب في أوكرانيا.

أدركت الحكومة بعد ذلك أن العجز في هامش مستقر يتراوح بين 2 في المئة و3 في المئة جيد للاستثمار في القطاعات الاقتصادية الصحيحة

وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الابراهيم

 وبحسب البيانات الرسمية، من المتوقع أن يصل عجز الموازنة العام المقبل إلى 101 مليار ريال (26,88 مليار دولار) أو 2,3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من الفجوة المتوقعة لهذا العام وهي 115 مليار ريال (30,66 مليار دولار). وحصر العجز في هذه الحدود، يعتبر مؤشرا حذرا بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثل، يسمح للدول الأعضاء بعجز يصل إلى نسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وغالبا ما يتجاوز العديد من الدول الأعضاء هذه النسبة.

وقد أشار وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الابراهيم في هذا الشأن إلى أن الحكومة كانت في السابق "تركز على أن يكون العجز صفرا، من أجل ترتيب أوضاعنا المالية وكذلك الإدارة المالية". و أضاف في مقابلة مع قناة "بلومبيرغ" أن الحكومة أدركت "بعد ذلك أن العجز في هامش مستقر يتراوح بين 2 في المئة و3 في المئة جيد للاستثمار في القطاعات الاقتصادية الصحيحة". 

من جهته، أوضح الجدعان في مقابلته مع "الشرق" ومنصة "الاقتصادية" أن "أحد أهم أسباب تحديد العجز عند 100 مليار ريال، وعدم تجاوزه بشكل كبير، هو تجنب أخطار الإنفاق بما يفوق قدرة الاقتصاد"، الذي يولد "أحد أمرين أو كليهما: التضخم والتسرب".

تتوقع الموازنة السعودية المعلنة للعام المقبل إيرادات تبلغ 1,184 مليار ريال (315,17 مليار دولار)، ونفقات تصل الى 1,285 مليار ريال (342,66 مليار دولار)، في مقابل إيرادات قدرها 1,230 مليار ريال (329,86 مليار دولار) ونفقات 1,345 مليار ريال (358,02 مليار دولار) في السنة الجارية.

من المتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 4,6 في المئة السنة المقبلة، وفقا للبيانات الرسمية

وشدد الجدعان على أن الحكومة ستسعى للاستفادة من خفض الفائدة لتمويل العجز من خلال الاقتراض، وأنها لن تلجأ الى احتياطها ، البالغ 412 مليار دولار في شهر أكتوبر/تشرين الأول، بحسب بيانات البنك المركزي .   

في تفاصيل الموازنة المقبلة، حاز القطاع العسكري الحصة الكبرى من الإنفاق (272 مليار ريال أو 72,5 مليار دولار)،  تليه الصحة و التنمية الاجتماعية (260 مليار ريال أو 69,33 مليار دولار)،  ثم التعليم (201 مليار ريال أو 53,6 مليار دولار) و الأمن والمناطق الإدارية (121 مليار ريال أو 32,26 مليار دولار) فالموارد الاقتصادية (87 مليار ريال أو 23,2 مليار دولار)، مع تخصيص 192 مليار ريال (51,2 مليار دولار) للبنود العامة المتمثلة بحصة الحكومة في معاشـــات التقاعـــد والتأمينات الاجتماعية، والمساهمات في المنظمات الدولية، وتكلفة الدين و الطوارئ و غيرها من المخصصات.

رويترز
استقرارا الواردات النفطية السعودية

 ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 4,6 في المئة السنة المقبلة، وفقا للبيانات الرسمية، التي تتطابق مع توقعات صندوق النقد الدولي الذي يرجح أن ينمو الاقتصاد هذا العام بنسبة 1,5 في المئة.

وكانت الحكومة السعودية أعطت في السنة الجارية، إشارات الى انتهاجها سياسة مالية واقعية عندما كيفت الجدول الزمني لتنفيذ مشروع "ذا لاين" العملاق، و هو مركز حضري وسكني عمودي مبني كخط مستقيم، يعتمد على الطاقة المتجددة ويتسع لتسعة ملايين نسمة. ويعد المشروع أحد أهم أجزاء "نيوم"، المدينة المستدامة التي يجري بناؤها على ساحل البحر الأحمر بتكلفة قد تصل إلى 1,5 تريليون دولار. 

رفعت وكالة "موديز" تصنيف المملكة الائتماني إلى "Aa3"، وهو يماثل تصنيف بريطانيا، وأشارت إلى جهود البلاد لتنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط

وقد رحب "صندوق النقد الدولي" ووكالات التصنيف الائتماني بالتوجه الواقعي الذي بادرت إليه الحكومة السعودية، في ظل تأكيد المسؤولين في الرياض أن مشروع "نيوم" هو استثمار سيمتد الى جيل كامل نظرا الى ضخامته، ولا يُعقل توقع إنجازه وتحقيق عوائد منه في غضون بضع سنوات. 

ورفعت وكالة "موديز" أخيرا تصنيف المملكة الائتماني إلى "Aa3"، وهو يماثل تصنيف بريطانيا، وأشارت إلى جهود البلاد لتنويع مصادر الدخل وتقليص اعتماد الاقتصاد على النفط. كما رفعت تصنيفات ست مؤسسات رئيسة مرتبطة بالحكومة، بما في ذلك "صندوق الاستثمارات العامة" و"الصندوق السيادي السعودي" الذي يدير أصولا تبلغ قيمتها 925 مليار دولار والذي يقود تنفيذ "رؤية 2030".

font change

مقالات ذات صلة