حيفا- الشعب السوري، كما كل شعوب الأرض، يريد حرية وديمقراطية واستقرارا. بعد أكثر من خمسين عاما من الظلم والتسلطية والقمع الذي لا تستطيع العقول والأنفس تحمله وتصوره، ولا حتى الأقلام بسرد كل جوانب عمق المعاناة، أتنقل بين صفحات روايات "ناج من المقصلة" لمحمد برو، و"القوقعة" لمصطفى خليفة، لأجد وصفا دقيقا لمعاناة السوريين الذين التقيتهم خلال العقدين الأخيرين، فأعود خائبا، لأن ما وصف عظيم ومهين وغير إنساني ووحشي بحق الضحايا، إلا أن ما أسمعه منهم أعمق وأكثر فظاعة.
قبل نحو عقد ونصف اندلعت ثورة مدنية سورية جامعة وبطرق احتجاج مدنية، إلا أن النظام قمعها بأبشع أنواع الاضطهاد وأدوات القتل. قتل مئات الآلاف من السوريين وهجر الملايين، ونستطيع أيضا أن نضيف فرق الموت من "القاعدة" و"داعش" و"حزب الله" وقوات إيران المدربة على القتل والطيران الروسي وكلهم لم يفرق بين المحارب والرجل والمرأة والأطفال المسالمين. القتل كان هدفا بحد ذاته، وكل ذلك كان بسبب أفعال النظام البعثي وطرق حكمه وفشله في حماية شعبه. حتى بعد هدوء غبار المعركة، استمرت قوات الجيش السوري وإيران و"حزب الله" وباقي الفرق مثل "فاطميون" و"زينبيون" والشبيحة و"الداعشيين" في مسيرة القتل وإجلاء الناس ومنعهم من العودة إلى بيوتهم، بحيث وصل عدد السوريين الذين تم إجلاؤهم إلى نحو عشرة ملايين.
خلال تلك السنوات انحسر اهتمام العالم بسوريا وأهلها، وترك النظام وعساكره ومخابراته يعيثون خرابا.
وبعد عقد ونصف من اندلاع الثورة السورية، المدنية وغير العنيفة، وبعد أن ترك السوريون للأسد وحلفاء النظام من سوريا وخارجها ليقتلوا ويخربوا ويقمعوا، تبين للكثيرين أن هذا النظام وحلفاءه باقون في غيهم، إلى حين توفر الإرادة، والعسكرية منها، لإحداث التغيير. واستجمعت المعارضة قواتها في محاولة جديدة للتخلص من النظام. وتقدمت ببطء، وسمحت لمحطات الأرض ولكل وسائل التواصل الاجتماعي مرافقتها وتقديم التقارير، التي تعج بآلاف السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع للتهليل للتحرير ولنهاية النظام البعثي.