لعل أول ما يتبادر الى ذهن القارئ هو سر اختيار الإمام أبو حامد الغزالي ليحضر في ثلاثة أعمال روائية عربية معاصرة، ولماذا يحضر الإمام الغزالي في عصرنا هذا تحديدا، بعد وفاته بأكثر من ألف عام، وهل وجد المعاصرون في أحوال الناس اليوم ومشكلاتهم وصراعاتهم ما يستدعي استحضار تلك الشخصية التاريخية الإسلامية الكبيرة، الإمام أبو حامد الغزالي المعروف بلقب "حجة الإسلام"، والرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في عصره ولعصور من بعده، وكان كتابه "إحياء علوم الدين" علامة فارقة من علامات التجديد في الفكر الإسلامي، كما واجه الفلاسفة والمتكلمين في عصره وكتب عنهم مؤلفات لا يزال تأثيرها باقيا إلى اليوم، ولعل كتابيه "تهافت الفلاسفة" و"المنقذ من الضلال" من أشهر العلامات التي يعود إليها الكثير من الباحثين والدارسين.
أسباب كهذه وحدها كفيلة باستحضار شخصية الإمام في عدد من الروايات، لا سيما بعد انتشار ما يعرف بموجة الروايات عن شخصيات تاريخية من علماء وكتاب ومفكرين، قدموا الى العالم الإسلامي الكثير، وشعر الروائيون اليوم بالحاجة إلى العودة إليهم واستحضار أجزاء من سيرتهم ومسيرتهم، علها تكشف لنا وللأجيال المقبلة الكثير مما نحتاج إليه لا سيما في عصور تمتلئ بالحيرة والقلق والتوتر والنزاعات والحروب.
عاش الإمام أبو حامد الغزالي في القرن الخامس الهجري، لكنه عاصر الكثير من الأحداث المهمة في ذلك الوقت، سواء المتعلقة بالعلم والعلماء وما جرى بينهم من سجالات ومناظرات، أو علاقة العلماء بالسلطان والحكام، حيث اقترب من بلاط الوزراء والخلفاء. ومن جهة أخرى، عاش أيام الفتن والحروب الفارقة حيث دارت رحى واحدة من أهم الحروب بين العرب والغرب سميت بحرب الفرنجة أو الحروب الصليبية التي بدأت من 1096م، وكانت وفاة الغزالي 1111 م على أرجح الروايات.
ولكن كيف رأى هؤلاء الكتّاب رحلة الغزالي الفكرية والعلمية وكيف تحولت إلى مصدر ملهم للكتابة الروائية؟
"طواسين الغزالي" (2011)... رحلات غريبة ومغامرات
يبدأ المغربي عبد الإله بن عرفة روايته وتأريخه لسيرة الغزالي (صدرت الرواية عن دار الآداب) من الطفولة، وسرعان ما ينتقل بنا إلى تناول الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة التي كانت موجودة في فترة شبابه، فبعدما تلقى العلم، سرعان ما قابل زعيم الباطنية المعروفين باسم الحشاشين، الحسن الصباح، ويجعل من تعلقه بفتاة أعجبه مظهرها، "حواء/ الطاهرة" سبيلا لوصوله إلى عالمهم، ومن خلالها ومن خلال صديقه يتعرف إلى "رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء" ويأخذ منها منديلا سيعرف ف يما بعد أنه يشير إلى الحشاشين وعلاقتهم بآل البيت، ويدخل بالفعل إلى "القلعة" ويحكي على لسان الغزالي تلك الرحلة إلى مكان يشبه الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وهناك يتحوّل الغزالي إلى رجل يخوض غمار مغامرات عجائبية، يفك طلاسم الكلمات ويستخدم "حساب الجمل" حتى يتمكن من الخروج من القلعة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ينتقل إلى علاقته بحواء التي تشترط عليه أن يحل أحجية لغوية لكي يظفر بقلبها، وينجح الغزالي باستخدام تلك الحسابات في الزواج منها، يقول على لسان الغزالي:
"حاولتُ تأليف عدّة كلمات بهذه الحروف، تكون لها القيمة العدديّة نفسها «عف، كفن، مسن، صين...»، لم أُفلِح في كلّ هذه المحاولات لأنّها لم تكن الكلمات المطلوبة. ثم تَفَكَّرْتُ في كلمة المفتاح «أبو الآباء»، وافترَضْتُ أنّه «آدم»، قياسا على حوّا في المثلّث الأوّل. ثم حاولتُ أن أستخرجَ العدد 150 منه. لكن تبيَّنَ لي أنّ عدَدَه 45 فقط".