تشهد سوريا منذ السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول انقلابًا في التوازنات الداخلية والإقليمية، ويكشف ذلك عن خلل واضح في التنسيق الروسي-الإيراني. وتأتي أحداث الساحة السورية تتمة لحرب لبنان الأخيرة، ولتطورات الشرق الأوسط المتلاحقة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي تسلط الضوء على إيران، ومستقبل مشروعها الإقليمي وعلاقاتها الدولية.
ومما لا شك فيه أن الصلة الروسية- الإيرانية لها خصوصيتها في هذا السياق، وذلك بعد أن اكتسبت العلاقات بين طهران وموسكو زخماً جديداً منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حيث انتقلت من العلاقات غير المتكافئة منذ عام 1991 إلى محاولة بناء شراكة استراتيجية حقيقية. لكن، وعلى الرغم من تعميق التعاون العسكري والسيبراني والأمني والنووي المدني، تبدو موسكو مترددة في الانخراط بشكل مباشر إلى جانب طهران ضد الولايات المتحدة، وحلفائها في الشرق الأوسط. ولا تزال حسابات كلا الطرفين والخلفيات التاريخية تعيق بناء تحالف مناهض للغرب بين روسيا وإيران. ويتوقف تطور العلاقات الروسية- الإيرانية الحيوية والمعقدة على مصير الصراعات القائمة، والتجاذب بين واشنطن وطهران في حقبة دونالد ترمب الجديدة. وسيكون لذلك تداعياته على الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، وعلى خيارات اللاعب الإيراني.
التطور العملي والمرن لعلاقة معقدة
من أجل الإحاطة بالواقع الحالي، لا بد من التذكير بالعلاقات التاريخية المضطربة بين البلدين الجارين والمتسمة بالتوترات والصراعات، خاصة خلال الحروب الروسية- الفارسية (1804-1813) و(1826-1828) على خلفية الحكم المتنازع عليه للأراضي والبلدان في منطقة القوقاز، ومن بينها أذربيجان وجورجيا وأرمينيا، إضافة إلى كثير من مقاطعات داغستان التي يُشار إليها باسم جنوب القوقاز. وانتهت تلك الحروب بتوقيع معاهدتي "تركمانجاي" و"كلستان"، وخسرت حينها إيران أجزاء كبيرة من أراضيها لمصلحة روسيا.
وخلال العهد السوفياتي شهدت تلك العلاقات تقلباً بين التحالف والتوتر، على خلفية محاولة السوفيات بعد الثورة البلشفية عام 1917 نشر الشيوعية في إيران، مما أدى إلى نشوب بعض الصراعات.
لاحقاً بعد بدء عهد "الجمهورية الإسلامية" عام 1979 أصبحت إيران معادية للولايات المتحدة، مما دفعها إلى تعزيز علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي السابق، ولاحقاً مع روسيا بعد انهيار هذا الاتحاد، حيث تعزز التعاون الثنائي، وخاصة في أوقات التوترات الإيرانية- الأميركية، والروسية- الأميركية.