تتخذ وكالة "ناسا" الحكومية الأميركية خطوات جريئة في مسيرتها نحو الفضاء، حيث تعتمد على شركتين بارزتين من القطاع الخاص، "سبيس إكس" و"بوينغ"، لتأمين نقل رواد الفضاء الأميركيين إلى القمر واستكمال برامج استكشاف الفضاء. منذ بدء هذا التعاون في عام 2014، وبدلاً من أن تتوحد الجهود نحو هدف مشترك، تكشفت فصولٌ جديدة من التحديات، لتظهر فجوة واسعة بين إنجازات الشركتين في تحقيق هذا الحلم.
ففي مشهد درامي، أعلن نحو 30 ألف عامل من شركة "بوينغ" إضرابهم في سبتمبر/أيلول الماضي، ليعبروا عن استيائهم من رفض الشركة مطالبهم بزيادة الأجور بنسبة تصل إلى 25%. وكأنما هو قَدَرٌ يُسطر بفصول مأسوية، كشفت "بوينغ" أيضًا عن خسائر فصلية تقارب 6.1 مليارات دولار. ووفقًا لتقرير من صحيفة "وول ستريت جورنال" في 25 أكتوبر/تشرين الاول 2024، تجري الشركة تفكيرًا عميقًا في بيع برنامجها الفضائي ومركبة "ستارلاينر" إلى جهة أخرى، محاولةً تقليص خسائرها الاقتصادية قبل أن تخرج من دائرة السباق.
في المقابل، تواصل "سبيس إكس"، تحت قيادة رجل الأعمال إيلون ماسك، كتابة قصتها بنجاح وتفوق. حيث تمكنت هذه الشركة، المنافسة القوية لـ"بوينغ"، من إطلاق اختبارها الخامس لمركبة "ستارشيب"، وعادت بها إلى منصة الإطلاق بدقة لا تصدق، بل ونجحت في التقاطها في الهواء بواسطة ذراعين ميكانيكيتين عملاقتين. لقد بدا هذا الإنجاز كأنه مشهد مستوحى من عوالم الخيال العلمي، حيث تابع ملايين المشاهدين هذا الحدث وكأنهم أمام لوحة فنية متحركة.
فما هي تفاصيل هذه النجاحات المتألقّة لشركة "سبيس إكس"؟ وما هو مستقبل منافستها "بوينغ" التي تعاني من خسائر واضطرابات قاسية؟ وكيف ستؤثر هذه التطورات على مسارات استكشاف الفضاء وأحلام إرسال رواد الفضاء إلى القمر؟
"سبيس أكس" تحلق بعيدا
بعد أربع محاولات غير ناجحة، حقق المعزز الصاروخي "سوبر هيفي" الذي يحمل المركبة الفضائية "ستارشيب" إنجازًا تاريخيًا بالهبوط بسلام على منصة الإطلاق في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2024. فقد تمكن برج الإطلاق من التقاط المعزز بسلاسة تامة، مما يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق رؤية ماسك في بناء مركبة فضائية ونظام إطلاق صاروخي قابل لإعادة الاستخدام بالكامل، بهدف تسهيل نقل البشر إلى القمر، ومن ثم إلى المريخ في المستقبل.
لحظة الإقلاع كانت مثيرة، حيث انطلق الصاروخ "سوبر هيفي"، حاملًا المركبة غير المأهولة، في تمام الساعة 8:25 صباحًا بالتوقيت الشرقي من قاعدة "سبيس إكس" في بوكا تشيكا بولاية تكساس.
في هذه المهمة الجريئة، واجه الفريق تحديًا جديدًا لم تشهده الرحلات السابقة، وهو محاولة التحكم بالصاروخ العملاق الذي يبلغ طوله أكثر من 70 مترا وإعادته إلى منصة هبوط عملاقة بعد أن أحرق معظم وقوده وانفصل عن المركبة العلوية "ستارشيب".
أشعل الصاروخ بعضًا من محركاته الـ33 ليعيد نفسه إلى موقع الإطلاق. ومع سقوطه بسرعة تفوق سرعة الصوت، أصدر دوي انفجارات صوتية أذهلت الحضور، حتى تمكن فريق التحكم الأرضي من توجيهه وإعادته بدقة إلى منصة الإطلاق بين الذراعين العملاقتين.