لطالما غذّت الثقافة الشرقية، وبشكل خاص العربية والإسلامية، الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، وأمدته برؤى فلسفية وإبداعية، فعمل على مجاراتها، متصلا بها عبر أكثر من معلَم من معالم هذه الثقافة، حدّ التماهي بها. أتناول في هذا المقال مساهمة بورخيس بنصيبه في صنع لياليه الخاصة، في كتاب "ألف ليلة وليلة".
إن النظر إلى بورخيس ككاتب له حصته من "الليالي" يتماهى والنزعة البورخِيسية في اختراع حكايات ومؤلفين وهميين وكتابة مراجعات نقدية لكتب لا وجود لها. وقد يكون، أيضا، وهو الخبير الذي لا تفوته شاردة أو واردة في عالم التأليف، قد نفذ إلى حكايات "ألف ليلة وليلة" من الثغرة أو الاستنتاج القائل بأن هذا الكتاب هو صنيع مجموعة من المؤلفين، ليكون هو بدوره واحدا من صانعي هذا الكتاب. إنّ أمرا كهذا ينسجم ونظرة بورخيس التي ترى في "الليالي" كتابا لا يني يتكامل مع الزمن، أي أنه عمل غير نهائي، وهو ما ينطبق، وفقا لفلسفته، على الكتب عامة، فجميع الكتّاب لا يكتبون في الحقيقة سوى كتاب واحد. مضافا إلى ما تقدم شغفه الأسطوري به، فهذا الكتاب يحوز في رأيه، الزمن كله والثقافات كلها واللغات كلها. وبورخيس المؤرّق بالخلود والأبديات، على الأقل في نطاق ما هو أدبي، ليس أدعى له لوصل اسمه بذلك من كتاب كـ "ألف ليلة وليلة"، فهو أيضا "سليل الأبدية". ومما يترجم هذا الشغف المتصل، أنه كان يصطحب معه في سفره إلى الأماكن التي يطول فيها مكوثه مجلدات "ألف ليلة وليلة"، في نسختها الإنكليزية بترجمة ريتشارد بيرتون، المكوّنة من سبعة عشر جزءا.
الانتماء إلى "ألف ليلة وليلة"
تُرجم الانجذاب البورخيسي إلى "الليالي" والشغف الطاغي بها عبر أكثر من صلة أقامها الكاتب معها.وهذه الصلة ذات شقين، وكلاهما ينطلق من "الليالي" ذاتها ويصبّ فيها، بمعنى الانتماء إليها.