الجيش اللبناني وتنفيذ القرار 1701... الجهوزية والدور المرتقب

تحديات أمام المؤسسة العسكرية في التعامل مع اتفاق وقف النار

ألكسندرا إسبانيا
ألكسندرا إسبانيا

الجيش اللبناني وتنفيذ القرار 1701... الجهوزية والدور المرتقب

منذ أن أقر القرار 1701 لوقف الأعمال القتالية بين لبنان وإسرائيل، في 11 أغسطس/آب 2006، والقرار عرضة لانتهاكات متبادلة توجت على نطاق واسع منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد عملية "طوفان الأقصى" وانخراط "حزب الله" في جبهة المساندة لغزة، فتغيرت قواعد الاشتباك في الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، وتوسعت رقعة العمليات العسكرية.

بعد أكثر من سنة على بدء الحرب، وبموجب الاتفاق على وقف النار الذي أقر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني برعاية أميركية مباشرة، يعود تطبيق القرار إلى الواجهة وسط دعوات محلية ودولية لمعالجة القصور الذي رافق تطبيقه، ورغم انتشار وحدات الجيش و"اليونيفيل" منذ عام 2006 فإن ذلك لم يحل دون استمرار الخروقات الإسرائيلية، وإن بقيت هذه الخروقات والردود عليها محكومة بقواعد اشتباك معينة، وبقي تطبيق القرار الدولي تشوبه ملابسات على صعيد تطبيق كامل بنوده والدور الموكل لكل من الجيش اللبناني و"اليونيفيل". فبعد سريان قرار وقف إطلاق النار هل يستطيع الجيش اللبناني اليوم معالجة الثغرات التي رافقت تطبيق القرار؟ وأي دور ينتظره؟

أعطى القرار 1701 الضوء الأخضر للبنان لإرسال جيشه إلى الجنوب بعد غياب طويل، والتنسيق مع القوات الدولية للقيام بمهام ودوريات مشتركة. فجاء هذا الانتشار في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية تركت آثارها على تطبيق القرار، وأبرزها:

  • انقسام اللبنانيين وغياب القرار السياسي حول موضوع انتشار الجيش، وفق فرضيتين: الأولى أن ما يمتلكه الجيش من عتاد لا يمكنه من رد الاعتداءات الإسرائيلية وأن القرار يعتبر استهدافا للمقاومة المنصوص عليها في البيانات الوزارية، والثانية هي أن القرار يتيح بسط سلطة الدولة ويعزز دورها في الجنوب.
  • اعتماد مجلس الأمن على قوات "اليونيفيل" والجيش اللبناني لتنفيذ القرار، في حين أنه لم يعط أياً منهما دورا رادعا للانتهاكات، ولم يحظ الجيش اللبناني بالدعم التسليحي واللوجستي للقيام بواجبه في تنفيذ القرار وحماية الحدود. فتحول القرار إلى نوع من الهدنة السياسية المؤقتة على جانبي الحدود.
  • تم اختزال القرار 1701 في بند وحيد وهو وقف الأعمال القتالية بين الطرفين، وتم غض النظر عن تطبيق قرارين ارتكز عليهما القرار في الفقرة الثامنة (البند الثالث) وهما 1559 و1680 اللذان يقضيان بنزع سلاح الميليشيات وبسط سلطة الحكومة على جميع الأراضي اللبنانية، في ظل معادلة ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" التي التزمت بها الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ "الطائف"، مما أوجد واقعا إشكاليا في دور الجيش اللبناني حيال تطبيق القرارين المذكورين، بالإضافة إلى واقع إشكالي إضافي تمثل بالنظرة غير المطمئنة إلى دور قوات الطوارئ الدولية واتهامها بأنها تلعب دور الشرطي لصالح إسرائيل، وترجمت هذه النظرة بأكثر من احتكاك بين الأهالي وبعض دوريات "اليونيفيل" في أكثر من قرية جنوبي الليطاني.

يتطلب تطبيق القرار 1701 بصيغته الجديدة، زيادة عدد الجيش اللبناني جنوب الليطاني ليصبح 15 ألف جندي، وهو العدد الذي حدده القرار عام 2006، ولم يتم الالتزام به بسبب النقص في عدد الجيش

  • تزامن تطبيق القرار مع أحداث أمنية داخلية استدعت تدخلا مباشرا من الجيش اللبناني ومنها التوترات الأمنية على خلفية الانقسامات السياسية بين فريقي 8 و14 آذار، والحرب ضد الجماعات الأصولية المتطرفة في جرود عرسال والتي قام الجيش في نتيجتها بنشر 4000 عنصر على الحدود اللبنانية السورية الممتدة على مسافة 375 كلم والتي تحتاج لضبطها إلى 75 ألف جندي، بينما العدد الكلي للجيش يبلغ 80 ألفا. بالإضافة إلى تأمين الحدود البرية والبحرية، والحفاظ على السلم الأهلي وخصوصا بعد نزوح أكثر من مليوني سوري إلى لبنان. هذا الأمر أدى إلى تقليص وجود الجيش اللبناني في الجنوب على اعتبار أنه كان أكثر أمنا من المناطق اللبنانية الأخرى.
  • عندما انتشر الجيش في الجنوب عام 2006 كان ينهي فترة غياب عن تلك المنطقة امتدت على نحو 30 عاما. وكانت الدولة اللبنانية في عام 2000، أي بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، أمام فرصة تاريخية لبسط سيطرتها على الجنوب وتقليص فترة غيابها عنه، لكن التوازنات الإقليمية والوجود السوري في لبنان حالا دون اتخاذ الحكومة مثل هذا القرار. في تلك الفترة لم تشهد القدرة القتالية للجيش أي تطور نوعي يؤهله القيام بمهام خارج نطاق حفظ الأمن، ومنع عنه التسلح، وكأن هذا الدور كان مرسوما وفق تسوية إقليمية كانت سوريا هي اللاعب الرئيس فيها. وكان من الطبيعي أن لا يكون جاهزا للانتشار في الجنوب عام 2000 في ظل غياب القرار الرسمي بذلك.

مستلزمات تعزيز الانتشار جنوبا

بعد تذليل العقبات وتجاوز الشروط والشروط المضادة بين لبنان وإسرائيل، خصوصا حول آلية تطبيق القرار 1701، ومنها شرط إسرائيل منحها حرية الحركة على الأراضي وفي الأجواء اللبنانية، تعهدت لها الولايات المتحدة بإنشاء هيئة مراقبة دولية (أميركا، فرنسا) تقوم بمتابعة تنفيذ الاتفاق القاضي بقيام الجيش اللبناني بإبعاد مقاتلي "حزب الله" إلى شمال الليطاني على ثلاث مراحل تمتد كل منها على 20 يوما، ومصادرة مخازن السلاح، ومنع الخروقات من الجانب اللبناني بعد إشعار الجيش والقوات الدولية بها من قبل هيئة المراقبة. مقابل انسحاب إسرائيل إلى الخط الأزرق خلال 60 يوما.

رويترز
آليات الجيش اللبناني في بلدة قانا بجنوب لبنان بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله"، 27 نوفمبر

يتطلب تطبيق القرار 1701 بصيغته الجديدة، زيادة عدد الجيش اللبناني جنوب الليطاني ليصبح 15 ألف جندي، وهو العدد الذي حدده القرار عام 2006، ولم يتم الالتزام به بسبب النقص في عدد الجيش، وبسبب الظروف الأمنية والتفجيرات التي كانت تعيشها البلاد عقب اغتيال الرئيس الحريري عام 2005، واقتصر الأمر على إرسال لواءين وفوج، أي 4500 جندي، كانت مهمتهم تسيير دوريات مشتركة مع قوات "اليونيفيل" في إطار جهاز ارتباط أنشئ لهذه الغاية.

هل يستطيع الجيش اللبناني حاليا إرسال 8 آلاف جندي إضافي لتطبيق القرار 1701؟ الجواب مرهون بعدة شروط:

الأول: اتخاذ الحكومة اللبنانية قرارا بفتح باب التطوع في المؤسسة العسكرية التي تعاني من نقص في العدد. وقد سبق لقائد الجيش العماد جوزيف عون أن أعد خطة لتعزيز قدرات الجيش وعرضها خلال زياراته لقادة الجيوش في الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، تتضمن هذه الخطة تعزيز انتشار الجيش في الجنوب وتزويده بالعتاد اللازم. وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي وافقت الحكومة اللبنانية على تطويع 1500 جندي من أصل 6000 تضمنتهم الخطة الشاملة لقائد الجيش، بعد تأمين التمويل اللازم، على أن تليها مراحل أخرى، مع الإشارة إلى أن أي دفعة يتم تطوعها الآن تحتاج إلى ما يقل عن شهرين لإتمام تدريباتها الأولية وتصبح جاهزة لتنفيذ مهامها.

ومن المعروف أن الجيش، بسبب توقف سياسة التطوع، والإحالة على التقاعد، والوفاة، وبعض حالات الفرار نتيجة الأزمة الاقتصادية، قد خسر جزءا من جهوزيته البشرية، مما يجعل من فتح باب التطوع أولوية تتقدم على ما عداها، ويمنحها تطبيق القرار 1701 أولوية إضافية.

كان تعديل القرار 1701 في مجلس الأمن يواجه صعوبة بسبب الفيتو الذي كان سيمارس من روسيا تحديدا، فتم العمل على اتفاق جانبي

الشرط الثاني هو تأمين الدعم المالي واللوجستي والتسليحي للجيش، وهو ما لا تستطيعه حاليا الحكومة اللبنانية، ويعول في ذلك على الدعم الخارجي الذي يجب أن يرافق ترتيبات تطبيق القرار 1701 لأن موازنة الجيش السنوية الحالية تبلغ مليار دولار فقط، وهي تقتصر على الرواتب والطبابة والتغذية وبعض أعمال الصيانة في حدها الأدنى، وهذه الموازنة تكفي فقط لتطوع 6000 جندي.

الشرط الثالث: تمكين قوات الأمم المتحدة لتصبح لديها القدرة على القيام بمهامها المنصوص عليها بموجب القرار 1701 الذي طلب من الأمين العام أن ينفذ بشكل عاجل تدابير تكفل لـ"اليونيفيل" هذه القدرة، كما طلب إليه حث الدول الأعضاء على الاستجابة الإيجابية لما تطلبه هذه القوات من مساعدة، لكي تتمكن من تنفيذ البند المتعلق بمساعدة القوات المسلحة اللبنانية على اتخاذ خطوات ترمي إلى إنشاء المنطقة الخالية من المسلحين والأسلحة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، فالجيش اللبناني لن يستطيع القيام بهذه المهمة بمفرده من دون تغطية دولية.

الشرط الرابع: تأمين الضمانات الدولية لقوات "اليونيفيل" والجيش اللبناني أثناء قيامهما بدورهما، فقد أثبتت التطورات الأخيرة في جنوب لبنان أن الطرفين كانا عرضة للاستهداف الإسرائيلي، في ظل عدم امتلاكهما أسلحة متطورة قادرة على حماية مواقعهما وضبط الأمن في المنطقة.

الشرط الخامس: تعزيز الاستقرار السياسي الداخلي الذي ازداد شرخا بعد دخول "حزب الله" في الحرب دعما لغزة. فالخلافات السياسية بين اللبنانيين كانت قائمة أساسا قبل ذلك حول الخيارات الاستراتيجية للبنان وعلاقاته مع الدول الأخرى، وحول الاستحقاقات الداخلية وفي مقدمها استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وأدت الحرب إلى نزوح حوالي مليون ومئتي ألف مواطن من قرى الجنوب والبقاع والضاحية بحسب إحصاءات لجنة الطوارئ اللبنانية، بالإضافة إلى ما يقل عن مليون نازح سوري من هذه المناطق. وبحسب الأرقام الأولية فإن حوالي 300 ألف وحدة سكنية قد دمرت تماما في الضاحية والجنوب والبقاع ومناطق أخرى، ما يعني أن أصحابها قد لا يتمكنون من العودة وسيبقون في أماكن النزوح، وفي ظل التشنج السياسي الحاصل تصبح مناطق الإيواء بحاجة إلى تغطية أمنية لمنع حصول إشكالات وتوترات، مما يحول دون تخفيف الحضور العسكري لوحدات الجيش في الداخل في ظل التجاذبات السياسية الحاصلة.

تنفيذ القرار 1701 ومهام للجيش

كان تعديل القرار 1701 في مجلس الأمن يواجه صعوبة بسبب الفيتو الذي كان سيمارس من روسيا تحديدا، فتم العمل على اتفاق جانبي تقول مصادر عسكرية لبنانية رفيعة إن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين عرضه على المسؤولين اللبنانيين وعلى قائد الجيش بعد 3 أشهر على بدء المواجهات المباشرة بين "حزب الله" وإسرائيل، لكنه كان يتضمن بند إعطاء إسرائيل حق التدخل عند حصول أي خرق، وهو البند الذي أسقط خلال جولة المفاوضات الأخيرة، واستبدل بهيئة مراقبة من خارج "اليونيفيل". وبتعهد لبنان بتطبيق البنود الأخرى فإنه يوافق على الإطار التنفيذي للقرار 1701 أي بسط سلطة الدولة اللبنانية وتطبيق القرارين 1559 و1680، فمشكلة القرار أنه لم يستتبع بآلية ملزمة لجميع الأطراف، فلا المنطقة الفاصلة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، والتي تمتد على مسافة 30 كلم، خلت من مقاتلي "حزب الله"، ولا القوات الإسرائيلية أوقفت خروقاتها الجوية والبرية والبحرية على لبنان، كما لم تعالج مسألة مزارع شبعا التي أوكل القرار إلى الأمين العام للأمم المتحدة وضع مقترحات لحلها ورفعها إلى المجلس في غضون 30 يوما من صدور القرار. جل ما حصل هو استقرار مقبول على طرفي الحدود.

ينص الاتفاق على وجود هيئة دولية لمراقبة تنفيذه، ويعني وجودها ودورها أنها ستراقب ما يقوم به الجيش و"اليونيفيل"، أي إن القوتين ستمارسان مهامهما تحت أعين دولية، أميركية وفرنسية

وبإقرار وقف النار تكون الإدارة الأميركية قد سعت ولو متأخرة إلى تحقيق إنجاز، ووضعت الإدارة الجديدة عند تسلمها زمام الحكم بعد شهرين أمام امتحان نجاح الاتفاق أو فشله بالتزامن مع الموعد المقرر لانسحاب القوات الإسرائيلية ومسلحي "حزب الله".

ما السيناريوهات؟

يجمع اللبنانيون على اختلاف مشاربهم على ضرورة تطبيق 1701، بمن فيهم "حزب الله"، وإن كانوا مختلفين على كلفة الحرب وجدواها. لكنهم متفقون على أن الاتفاق لم يعدل جوهر القرار 1701 لجهة حق كل طرف بالتصدي للطرف الآخر عند الضرورة، وخلو منطقة جنوب الليطاني من المسلحين فهذا البند ليس جديدا بل هو في أساس القرار. وبالتالي فإن السؤال الذي يطرحه اللبنانيون هو: أي دور للسلاح والمسلحين المبعدين إلى شمال الليطاني؟ وهل هذه المنطقة مشمولة بعمل هيئة الرقابة أم إن عملها محصور بجنوب الليطاني فقط؟ وهل يتضمن الاتفاق أفخاخا ستنفجر نتيجة سوء فهم القرار أو تطبيقه؟

أما وقد نجح هوكشتاين في الحصول على موافقة لبنان وإسرائيل للقبول بالملحق الخاص بالقرار، فأي سيناريوهات ستكون أمام الجيش اللبناني؟

أولا: تقول مصادر عسكرية موثوقة إن الجيش ينفذ القرار السياسي الذي تتخذه الحكومة مجتمعة، على اعتبار أن هذه الحكومة تضم جميع المكونات السياسية في البلاد. وتضيف أن الجيش كان دائما ينفذ القرار السياسي بحذافيره طالما كان هذا القرار يحظى بإجماع رسمي وشعبي. وعليه فإنه بمجرد موافقة الحكومة على وقف النار يكون على الجيش اللبناني الالتزام بهذا الموقف ولعب دوره ميدانيا وفق ما يتطلبه القرار.

ثانيا: نص الاتفاق على إبعاد القوة العسكرية لـ"حزب الله" إلى شمال الليطاني، لذا سيكون على الجيش تفكيك البنية العسكرية التحتية التابعة لـ"الحزب" جنوب النهر، وهذا يتم إما طوعا على طريقة تسليم سلاح الميليشيات بعد الحرب عندما قامت القوى العسكرية المتصارعة من تلقاء نفسها بتجميع سلاحها الثقيل وتسليمه للجيش، وإما عن طريق قيام الجيش بمؤازرة من "اليونيفيل" بالكشف عن أماكن وجود السلاح ومصادرته. وتعد هذه الخطوة الأخيرة شائكة وتستغرق وقتا طويلا إذا لم تترافق مع تسهيلات وتعاون من "الحزب" للوصول إلى مخازن السلاح ومنصات الصواريخ، وإلا ستكون خطوة ناقصة وغير منجزة بالكامل إذا تبين لاحقا أن تنفيذها تشوبه ثغرات، عندها ستلجأ إسرائيل للضغط على الجيش اللبناني بواسطة هيئة المراقبة، وسيتم اتهامه بعدم تطبيق القرار الدولي. والسؤال المطروح هنا: متى يتم تحديد انتهاء هذه العملية؟

ثالثا: ينص الاتفاق على وجود هيئة دولية لمراقبة تنفيذه، ويعني وجودها ودورها أنها ستراقب ما يقوم به الجيش و"اليونيفيل"، أي إن القوتين ستمارسان مهامهما تحت أعين دولية، أميركية وفرنسية، بعد استبعاد بريطانيا وروسيا، واستبعاد ألمانيا أيضا لاتهام قواتها البحرية من قبل "حزب الله" بالتقصير حيال الاعتداء الذي جرى في البترون في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. والأسئلة التي تطرح هنا: من يعالج الخروقات؟ هل ستطلب هيئة المراقبة من الجيش و"اليونيفيل" القيام بذلك؟ أم سيوكل الأمر إلى إسرائيل؟

سوف تعترض مهام الجيش إشكالية تتمثل في تحديد مفهوم "المسلحين"، هل هم أبناء المنطقة المنتمين لـ"حزب الله"؟ أم الذين يتفرغون للعمل العسكري ويوجدون مع أسلحتهم في المواقع القتالية؟

رابعا: المحاذير التي ستواجه مهمة الجيش هي المعايير التي ستحكم على مستوى أدائه، وفي ما قد يراه هو نشاطا طبيعيا على الأرض وما تراه قوة المراقبة نشاطا معاديا لإسرائيل ويخرق القرار 1701، مما سيضع الجيش في موقف حرج أمام الراعي الدولي للاتفاق، أي أميركا، التي تعتبر المصدر الرئيس له بالسلاح والعتاد والدعم المالي.

خامسا: إن صيغة الاتفاق التي تمت الموافقة عليها تسمح لإسرائيل بالتدخل عسكريا في لبنان بناء على تقارير قوة المراقبة، أي كلما استشعرت إسرائيل أن "حزب الله" يعيد بناء قواته العسكرية، ما سيضع الجيش في موقف حرج داخليا وسيضعف الثقة به لسببين، الأول هو أنه سيظهر وكأنه غير قادر على وقف تسلح "حزب الله"، والثاني هو عدم قدرته على وقف الاعتداءات الإسرائيلية التي ستحصل ردا على هذا التسلح.

سادسا: إن أحد بنود الاتفاق ينص على إفراغ منطقة جنوب الليطاني من "حزب الله"، وهنا سوف تعترض مهام الجيش إشكالية تتمثل في تحديد مفهوم "المسلحين"، هل هم أبناء المنطقة المنتمين لـ"حزب الله"؟ أم الذين يتفرغون للعمل العسكري ويوجدون مع أسلحتهم في المواقع القتالية؟ فإذا كان المقصود بهم المنتمين لـ"الحزب" من سكان القرى الجنوبية، فهذا يعني منع شريحة من السكان من العودة إلى قراهم، وهذا سيضع الجيش أمام مواجهات مع الأهالي بسبب غياب الآلية التي سيتم تصنيف هؤلاء المنتمين على أساسها، وهل هذا الإجراء، فيما لو حصل، سيمنع إسرائيل من استهدافهم شمال الليطاني كما تفعل اليوم؟ أما إذا كان المقصود بهم حاملي السلاح فهولاء سينتفي وجودهم العسكري بموجب القرار 1701.

سابعا: نص الاتفاق على البدء  لاحقا بمفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البرية، وإذا لم يفض هذا الأمر إلى استرجاع لبنان ما يراه حقا من حقوقه، فسيعاد ترسيخ معادلة الاحتلال والمقاومة، مما سيطرح إشكالية في دور الجيش المستند إلى القرار السياسي الداعي لتحرير ما تبقى من أراض لبنانية محتلة، وفي علاقة الجيش مع عناصر المقاومة.

هذه المحاذير تضع الجيش أمام استحقاقات تتمثل في تحقيق الجهوزية اللازمة لحفظ الأمن في الداخل، وتدارك تداعيات النزوح اللبناني والسوري وانعكاساته الأمنية والاجتماعية، والتجاذبات السياسية التي تعيق عمل المؤسسات وإجراء الاستحقاقات السياسية، والالتزام بمندرجات القرار الدولي في الجنوب.

font change

مقالات ذات صلة