كان لافتا التغيرُ في سلوك دونالد ترمب رئيسا منتخبا للمرة الثانية للولايات المتحدة الأميركية في عام 2024 عنه منتخبا للمرة الأولى في عام 2016، إذ غاب، هذه المرة، حس الفوضى والدهشة اللذين هَيمنا على اختياراته للمناصب المهمة بعد فوزه الأول. هذه المرة، بعد الفوز الثاني، ثمة حس عال بالانضباط والترتيب وحتى السرعة في هذه الاختيارات والإعلان عنها.
يحتاج كل رئيس أميركي أن يرشح نحو 4000 شخص لشغل مناصب مهمة في الحكومة الاتحادية، من ضمنهم وزراء ورؤساء إدارات ومديرو وكالات اتحادية وسواها يكونون في مجموعهم مسؤولين عن تنفيذ أجندة الرئيس السياسية ويشكلون كلهم بدءا من الرئيس ونائبه (الشخصان الوحيدان المنتخبان في أي إدارة أميركية) ما يُعرف واسعا في الإعلام والسياسة باسم "الإدارة الأميركية". يحتاج نحو 1200 من هؤلاء مصادقة مجلس الشيوخ على تعييناتهم، فيما يستطيع الرئيس تعيين الآخرين بشكل مباشر. هذه التعيينات والترشيحات، سواء المباشرة منها أو المشروطة بموافقة مجلس الشيوخ عليها، تستغرق أشهرا طويلة وتستمر بعد تولي الرئيس المنتخب مهام منصبه في البيت الأبيض.
وما تشهده الفترة الفاصلة بين انتخاب الرئيس في نوفمبر/تشرين الثاني وتنصيبه رسميا في يناير/كانون الثاني، نحو شهرين ونصف الشهر، هو إعلان التعيينات والترشيحات للمناصب الأهم، خصوصا المناصب الوزارية البالغ عددها 15. بخصوص ترمب، بين الذين أعلن ترشيحهم وتعيينهم على نحو سريع هم الكبار في فريق السياسة الخارجية. يشمل هؤلاء مايك والتز مستشارا للأمن القومي الذي لا يحتاج منصبه موافقة مجلس الشيوخ، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيكسث، اللذين يحتاج منصباهما موافقة المجلس. وسيمر ترشيح روبيو دون مشاكل، فيما سيواجه ترشيح هيكسث بعض المصاعب التي لا يمكن التنبؤ بشدتها الآن، لكن عموما وعلى أساس السجل التاريخي، من النادر جدا أن يقوم مجلس الشيوخ برفض ترشيح الرئيس لوزير في حكومته. ويعود آخر رفض من هذا النوع إلى عام 1989، أي قبل 35 عاما عندما رفض المجلس ترشيح جورج بوش الأب جون تاور لمنصب وزير الدفاع. والأكثر حدوثا هو انسحاب المرشح من الترشيح قبل تصويت المجلس لتلافي هذا التصويت إذا تأكد أنه سيكون سلبيا.
وسواء مر ترشيح هيكسث أم لا، فإن بديله المحتمل لن يختلف عنه كثيرا فاللافت في ترشيحات ترمب أن المرشحين، بخلاف مرشحيه في رئاسته الأولى، ينتمون إلى رؤيته الأيديولوجية ويوالونه كشخص.
وتعكس ترشيحات الرجل لفريق سياسته الخارجية فهمَه للعالم الخارجي وكيفية التعاطي معه أميركيا. وهذا ما ستشهده السياسة الخارجية الأميركية في السنوات الأربع المقبلة: حس ملحوظ بالانعزالية مصحوب بنزعة لا تخلو من التعالي التي يغذيها تفوق تاريخي، اقتصادي وعسكري، أميركي، مع انتقاء محسوب، على أساس اعتبارات برغماتية قوية، للقضايا التي تحتاج المصالح الأميركية الدخول فيها.
وسيعني هذا أشياءَ محددة بخصوص الشرق الأوسط بوصفها إحدى المناطق التي ستحظى باهتمام أميركي في ظل الإدارة الترمبية المقبلة التي تعتقد أن ابتعادها عن المنطقة أو تجاهلها في إطار رؤيتها الانعزالية العامة سيكلف الولايات المتحدة كثيرا.