هل يجب أن يرحل الأدباء كي تُقام معارض عن آثارهم الأدبية بهذا الكمّ من الجمال وبهذا التشويق إلى قراءتها؟ في تونس، تزامن في الفترة الأخيرة معرضان فنيان فريدان عن قصتين شهيرتين لكاتبين عالميين: قصة "التحوّل" للكاتب التشيكي باللغة الألمانية، فرانز كافكا، ورواية "صالامبو" للكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير.
لمناسبة مئوية رحيل كافكا (1883- 1924)، استقدم المعهد الألماني بتونس معرض الواقع المعزز لقصة "التحوّل" من المعهد الألماني ببراغ (مسقط رأس الكاتب) الذي كان بادر بإبداع فكرة المعرض وتصميمه، ولمناسبة ذكرى مائتي سنة على ولادة الكاتب الفرنسي (1821- 1880)، غوستاف فلوبير، نُظّم سنة 2021 معرض متعدد الوسائط عن روايته "صالامبو" بتضافر جهات مختلفة في فرنسا وتونس، وعُرض أخيرا في العاصمة التونسية بالمتحف الوطني بباردو (سبتمبر/ أيلول 2023 – يناير/ كانون الأول 2025).
أعطت رواية "صالامبو" التاريخية عنوانها، وهو اسم بطلتها، إلى واحدٍ من أجمل الأحياء على الساحل في الضاحية الشمالية من العاصمة قرب الميناء حيث تدور أحداث القصة في القرن الثالث قبل الميلاد. إن كان أحدهم لا يزال يشكّك في تأثير الأدب على الحياة، فليعلم أنّ رواية فلوبير لم تؤثّر على الجغرافيا التونسية فحسب، بل كذلك على التاريخ والمخيال الجماعي. فالكثير من التونسيين اليوم يظنون أنّ ذلك هو اسم الحيّ منذ القدم وأنه يرمز إلى شخصية تاريخية، في حين أن "صالامبو" لا تعدو أن تكون شخصية روائية ابتدعها فلوبير لغرض أدبي بحت.
من فلوبير إلى قرطاج
يجمع معرض "صالامبو... من فلوبير إلى قرطاج" بين ملابسات كتابة فلوبير لروايته التي استغرقت خمس سنوات وصدرت سنة 1865، وما يرتبط بها من مخطوطات ورسوم وأعمال مسرحية أو أوبرالية مقتبسة، وبين آثار الحضارة البونية والقرطاجية القديمة في تونس التي تتنزّل الرواية في إطارها.