ساعات قليلة كانت فاصلة بين إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وبدء هجوم "هيئة تحرير الشام" وفصائل مسلحة باتجاه مدينة حلب في سوريا بعد خمس سنوات من سيطرة الجيش السوري عليها. وربما لم يكن التوقيت مصادفة، لا سيما أننا نعيش في شرق أوسط يرفض أن يغادر صدارة نشرات أخبار القتل والدمار والتهجير.
ورغم ذلك، لم يعد الموضوع مستغرباً. لكن عودة العمليات العسكرية بين الجيش السوري والقوات المتحالفة وبين فصائل مسلحة في هذا التوقيت يستدعي النظر إليه من خلال ديناميكيات الصراعات الإقليمية في المنطقة، وما يراد له من إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط.
وربما تكون نقطة الاتفاق بين القراءات الإعلامية والصحافية أن المشكلة في سوريا بعد أحداث 2011 أصبحت تقليص نفوذ حكومة بشار الأسد، ويقابله توسع نفوذ الوجود العسكري الأجنبي في الأراضي السورية. إذ أصبحت سوريا مقسمة إلى ثلاث مناطق، تتقاسمها دول كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، ودول إقليمية كإيران وتركيا.
حكومة بشار الأسد تسيطر على 65 في المئة من الأراضي السورية بدعم من روسيا وإيران وفصائل مسلحة عراقية. وبقية الأراضي فهي مقسمة بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. أما مناطق شمال سوريا وشمالها الغربي فهي تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" وجماعات مسلحة أخرى وتحظى بالدعم التركي.
ثلاث فرضيات
ثلاث قراءات تحاول أن تفسر توقيت بدء تحرك الجماعات المعارضة المسلحة في مناطق شمال غربي سوريا:
الفرضية الأولى، تميل إلى أن العمليات العسكرية التي تقوم بها "هيئة تحرير الشام" ومجموعات مسلحة أخرى، تأتي بدعم وإسناد من تركيا. إذ يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استغلال ضعف الوجود الإيراني بعد سلسلة الضربات التي تعرضت لها إيران من قبل إسرائيل، وانشغال "حزب الله" في معاركه مع إسرائيل في جنوب لبنان. ومن ثم، يسعى أردوغان إلى فرض واقع جديد لنفوذه في سوريا، وتحديداً قبل استلام ترامب رئاسة البيت الأبيض، يكون ورقة للتفاوض مع بشار الأسد، لاسيما بعد رفض الأخير لقاءه الرئيس التركي إلا بعد تعهده بانسحاب الجيش التركي من سوريا.