ربما لم يعد بعضنا يستسيغ استعمال كلمة "مدرسة" فلسفية. نذكر أنه، حتى وقت قريب، كان مؤرخو الفلسفة التقليديون، سواء عندنا أو في الأوساط الغربية، مولعين بتصنيفات الفلسفات إلى مدارس ومذاهب وتيارات. هذه النمذجة كانت تنطلق أولا من وجود المدرسة أو المذهب أو التيّار، ثم تبحث في ما بعد عمّا إذا كان يوجد من يمثّله من الفلاسفة، كنا نفترض وجود المعتزلة، ثم نتساءل عما إذا كان الجاحظ يدخل ضمنهم. إنّها إذن نماذج ذهنية مسبقة، يُبحَث لها في ما بعد عمّن يمثّلها. على هذا النحو تعاملنا مع فكرنا العربي، قديمه وحديثه، فافترضنا وجودا فعليا للشخصانية والجوانية والماركسية والوجودية ثم خضنا في ما بعد في محاولة ملء هذه الخانات والبحث عمن "يمثّلها".
انتفاضة
عرف الفكر الغربي منذ أواسط القرن الماضي انتفاضة ضد هذا النوع من التأريخ، وظهرت تواريخ تنطلق من الأشخاص للوصول، إن أمكن، إلى ما قد يضمّهم، وهذا الذي يضمّهم لم يكن في الضرورة لا مدرسة ولا مذهبا ولا تيارا، كان الحديث يتمّ، في البداية، عن "مدارات" حولها تدور حلقة من المفكرين لا يتكلمون بالضبط اللغة ذاتها، لكنهم يحومون، كما سيقول هايدغر، حول "الشيء ذاته" Le même. وهكذا، وعلى سبيل المثل، بينما كان التأريخ التقليدي يميز بين المثالية من جهة، والمادية من جهة أخرى، فينسب هيغل الى الأولى وماركس الى الثانية، فإن هايدغر لا يرى مسافة شاسعة بين الفيلسوفين، فيذهب إلى القول إن جدالهما "خصام عشاق"، وإنهما يقولان "الشيء ذاته" على نحو مغاير.
لا أعتقد أنّ المنظور الأول لتأريخ الفلسفات كان سيؤدي بنا إلى نهاية سعيدة، لو أننا طبقناه على الفكر المغربي، وخضنا في التساؤل عما إذا كانت هناك مدرسة فلسفية في المغرب؟ وتوقفنا عند ما يُعدّ معلمات كبرى في هذا الباب، مثل محمد عزيز الحبابي، ومحمد عابد الجابري، اذ سرعان ما نجد أنفسنا نسقط في تساؤلات مثل: هل الحبابي فيلسوف بالفعل، وبأيّ معنى؟ وهل الجابري فيلسوفٌ أم مؤرخ أفكار وإيديولوجيات؟