استغلت الفصائل المسلحة في شمال غربي سوريا لحظة جيوسياسية مهمة لتعطيل الوضع الراهن الهش، حين شنت هجوما عسكريا جريئا بالتزامن مع وقف إطلاق النار في لبنان. ففي 27 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأت قوات "إدارة العمليات العسكرية" التي تضم فصائل عدة، حملة واسعة النطاق ضد معاقل الحكومة السورية في المنطقة. وتهدف العملية، التي أُطلق عليها اسم "ردع العدوان"، إلى التصدي للهجمات المتزايدة التي يشنها الجيش السوري ضد المدنيين، بالإضافة إلى توسيع المناطق الآمنة بما يتيح عودة النازحين السوريين إلى مناطق أكثر أمانا.
خلال أقل من 72 ساعة، تمكنت الفصائل التي تتقدمها "هيئة تحرير الشام" من استعادة عشرات البلدات والمواقع الاستراتيجية، بما في ذلك مناطق داخل مدينة حلب، وقطعت الطريق السريع "إم-5"، الذي يُعد شريان إمداد حيويا يربط بين حلب ودمشق. وقد أعادت هذه المكاسب الإقليمية السريعة تشكيل الخطوط الأمامية في الشمال، والتي كانت راكدة منذ عام 2020، ووصلت الى سيطرة الفصائل على كامل حلب.
إن فهم الوتيرة غير المسبوقة لخسائر الحكومة السورية أمر بالغ الأهمية، للكشف عن العوامل الجوهرية التي تعزز نجاح الفصائل. ولا تقتصر هذه التطورات على تحدي توازن القوى داخل سوريا فحسب، بل تحمل في طياتها تداعيات قد تُعيد تشكيل مسار المنطقة لأشهر، وربما لسنوات مقبلة.
انهيار بيت من ورق
أثار الانهيار السريع لسيطرة الدولة في شمال غربي سوريا دهشة المراقبين وصدم صفوف الفصائل نفسها، والتي لم تكن تتوقع تحقيق مثل هذه المكاسب بسرعة وسهولة. ففي غضون 48 ساعة فقط، تمكنت الفصائل المسلحة من التقدم بسرعة فائقة، بسطت خلالها سيطرتها الكاملة على ريف حلب الغربي وأجزاء من ريف إدلب، واستعادت أيضا مناطق داخل مدينة حلب كانت قد خسرتها لصالح الجيش في عام 2016.
كشفت هذه العملية مدى تشتت قوات الجيش، ولا سيما على طول خطوط المواجهة الحيوية. وأدى عجزها عن امتصاص الصدمة الأولية للهجوم إلى سلسلة من الانهيارات، حيث انهارت المواقع الدفاعية واحدا تلو الآخر. وسمح هذا التسلسل المتسارع للتراجعات عبر مناطق واسعة ذات أهمية استراتيجية لقوات "إدارة العمليات العسكرية" بتحقيق مكاسب بوتيرة غير مسبوقة.