ردع العدوان وتدوير الزوايا

أنصاف الحلول لا تنتج سلاما دائما

ردع العدوان وتدوير الزوايا

نامت المنطقة على وقع التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مؤقت في لبنان بين إسرائيل و"حزب الله"، واستيقظت على خبر التصعيد العسكري المفاجئ في سوريا.

بعد هدوء استمر نحو 5 سنوات، شنت فصائل المعارضة السورية المسلحة هجوماً مفاجئاً على ريف حلب الغربي، وما هي إلا ساعات حتى دخلت الفصائل إلى حلب المدينة، وتستمر في التقدم أثناء كتابة هذا المقال.

قيل الكثير، وسيقال الكثير عن هذا الخبر، الذي وقع كالزلزال على الجميع، فلم يكن في حسبان النظام ولا حلفائه، ولا الدول العربية ولا الغربية أن تسترجع المعارضة السورية حلب وريفها، بعدما خسرتها في عام 2016 بعد معارك دامية، وحصار استمر سنوات.

المعارضة التي تضم "هيئة تحرير الشام" وفصائل من "الجيش الوطني السوري" إضافة إلى عدد من فصائل المعارضة في إدلب، والتي بدأت معركة "ردع العدوان" كما أطلقت عليها، أعلنت عن تشكيل غرفة "إدارة العمليات العسكرية" مع بداية الهجوم، وقالت إن إطلاق العملية العسكرية جاء بعد "رصد تحركات للنظام لإطلاق عملية ضد المناطق الآمنة، كما أن العملية العسكرية ليست خيارا بل واجب"، وفق البيان الذي أضاف: "إن ميليشيات النظام وإيران أعلنت حربا مفتوحة على الشعب السوري".

يُذكر أن آخر اشتباكات شهدتها هذه المناطق كان في مارس/آذار 2020 بعد توقيع اتفاقية "سوتشي" بين تركيا وروسيا، إلا أنها كانت تشهد خروقات وتصعيدا عسكريا بين الحين والآخر من قِبل النظام السوري وروسيا، ما أدى إلى وقوع مئات الضحايا من المدنيين خلال مرحلة "خفض التصعيد".

كُتب وقيل وسيُكتب ويُقال الكثير عن "الأسباب الحقيقية" لهذا التحرك المفاجئ للمعارضة، إيران تتهم تل أبيب بعد ما قالت إنه "نتيجة هزيمة إسرائيل في تحقيق أهدافها في لبنان". والنظام السوري يتهم تركيا بعدما رفضت أنقرة الرضوخ لشروطه بشأن الانسحاب التركي من الأراضي السورية مقابل التطبيع. مخطط أميركي إسرائيلي لإضعاف الميليشيات الإيرانية من سوريا وإخراجها. استغلال انشغال "حزب الله" في حربه مع إسرائيل. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد تحسين شروطه قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وخصوصاً في حال قرر ترمب الانسحاب من سوريا، وما يعنيه ذلك لتركيا في معركتها مع "قوات سوريا الديمقراطية". كل هذه الأسباب وغيرها، قد تكون دقيقة كثيراً أو قليلاً، إلا أنها ليست الأسباب الوحيدة لما حصل.

وبعيداً عن التخوف المشروع من عودة الفوضى إلى مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، رغم أن الصور الآتية توحي بأن الفصائل قد تعلمت الدرس، بالإضافة إلى أن اسم "الجولاني" المبايع سابقاً لـ"القاعدة" لا يوحي بالثقة، ولكن إذا ما تذكرنا أن الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية والأفغانية لا تقل تطرفاً عن "القاعدة"، يصبح من المفهوم ترحيب الكثير من السوريين بالعملية واحتفالهم بنتائجها.

الأمر الأهم الذي يجب أن يكون قد صار واضحاً بعد هذا الزلزال المفاجئ، هو أن أنصاف الحلول وتدوير الزوايا لا يمكن أن ينتج عنهما سلام واستقرار دائم

الأمر الأهم الذي يجب أن يكون قد صار واضحاً بعد هذا الزلزال المفاجئ، هو أن أنصاف الحلول وتدوير الزوايا، لا يمكن أن ينتج عنهما سلام واستقرار دائم. فهذه المنطقة لم تعرف الاستقرار الحقيقي منذ استقلالها، وما ينطبق على سوريا، ينطبق أيضاً على لبنان، وحتى ما عُرف بمرحلة الاستقرار أثناء حكم حافظ الأسد بالحديد والنار للبلدين، أثبتت التجارب أنها كانت مرحلة تراكمت فيها النار تحت الرماد حتى اندفعت وكادت تحرق الجميع.

في انتظار أن يدرك أصحاب القرار في الشرق والغرب، والمعنيون باستقرار حقيقي، وإخماد النيران كي لا تصل حدودهم، أن التسويات على طريقة "عفى الله عما سلف" لن ينتج عنها إلا تكرار الزلازل، وقبل ذلك على السوريين أولاً وقبل أي أحد آخر، أن يدركوا أن المحاسبة والعدالة هما مدماكان أساسيان لبناء سوريا وهويتها الوطنية الجامعة، وقد يكون المدخل لحل جدي وعادل، هو العودة إلى "بيان جنيف واحد" و"القرار الدولي 2254" بحرفيته، وقبل التشويه الذي لحق به في "آستانه" و"سوتشي".

font change