مجلس التعاون الخليجي... تحديات مستجدة وسياسات دون مجاملات

آن الأوان لمراجعة السياسات بما يعزز المصالح الخليجية

غيتي
غيتي
القمة الثالثة والأربعين لمجلس التعاون الخليجي في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، المملكة العربية السعودية في 9 ديسمبر 2022

مجلس التعاون الخليجي... تحديات مستجدة وسياسات دون مجاملات

تعقد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية- الدورة الخامسة والأربعين، في الكويت، أول ديسمبر/كانون الأول، في ظل أوضاع عالمية مضطربة ومستجدات صعبة في كثير من دول العالم الرئيسة.

وقد تأسس مجلس التعاون الخليجي في مايو/أيار 1981 من أجل تحقيق الأمن والسلام في المنطقة بعد نجاح الثورة في إيران وبداية النزاع بين العراق وإيران ونشوب الحرب العراقية- الإيرانية في سبتمبر/أيلول 1980.

وتظل المسائل الأمنية ذات أهمية لدول مجلس التعاون، لكن قادة المجلس أقروا في قممهم على مدى السنوات والعقود الماضية كثيرا من الاتفاقات المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والتعليمية وحقوق الأفراد في بلدان المنطقة. وتحققت إنجازات من خلال كثير من الاتفاقات التي أقرت، ومنها اتفاقية الوحدة الجمركية وكذلك حقوق التملك والتأمينات الاجتماعية. لكن بالرغم من الإنجازات المتميزة في مسيرة مجلس التعاون، فإن هناك خطوات لا بد من قطعها لكي يتحقق التكامل الاقتصادي وتتقارب الإرادات السياسية بما يدعم توحيد الجهود والسياسات والتعامل مع بقية الأطراف العربية والإقليمية والدولية ويعزز الوحدة الاقتصادية بموجب أهداف اتفاقية السوق الخليجية المشتركة.

يذكر عبدالله بشارة الأمين العام الأول لمجلس التعاون الخليجي أن المجلس يمثل منظمة إقليمية مستمرة رغم كل الأزمات التي حدثت خلال السنوات الماضية. جاء ذلك في ندوة عقدت في مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية التابع لجامعة الكويت يوم الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني. ويقارن عبدالله بشارة مجلس التعاون الخليجي بمنظمات إقليمية تأسست ثم غابت عن الساحة ومنها منظمة التعاون العربي والاتحاد المغاربي.

ويضيف بشارة أن مجلس التعاون الخليجي لعب دورا هاما أثناء الحرب العراقية-الإيرانية وعمل من أجل وقف تلك الحرب العبثية التي أودت بحياة مئات الآلاف من العراقيين والإيرانيين ودمرت الحياة الطبيعية في البلدين وأنهكت الاقتصاد وأثقلتهما بالديون ومثلت عبئا كبيرا على دول الخليج. ولا شك أن نهاية الحرب في أغسطس/آب 1988 كان يمكن أن تكون فرصة لتبني سياسات مختلفة في العراق وإيران إلا أن الطغيان والاستبداد عطل مسار التنمية وأدى إلى خلق أزمات ثقيلة في المنطقة، وأهمها الاحتلال العراقي للكويت في أغسطس 1990.

الحكمة السياسية للقادة في اتخاذ القرارات والتحالفات الدولية التي أنجزت منذ عام 1990 مكنت دول المنطقة من أن تصبح واحة للأمان والاستقرار رغم كل التحديات الإقليمية غير المواتية. وقد عززت دول الخليج بما تمثله من إمكانيات في قطاع الاقتصاد النفطي من علاقاتها الاقتصادية مع الدول الرئيسة مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية.

كما أن انتعاش الحياة الاقتصادية وتطور الأوضاع المعيشية في دول المنطقة عزز التجارة في مختلف البلدان وأصبحت بلدان الخليج من أهم الأسواق المستوردة للسلع. يضاف إلى ذلك أن تطور الأنظمة المصرفية مكن من تطوير علاقات مع مختلف المؤسسات المالية والاستثمارية. ودفعت دول الخليج صناديقها السيادية والمستثمرين من القطاع الخاص لتوظيف الأموال لتحقيق العوائد الملائمة في مختلف الأسواق المالية وفي الاستثمارات المباشرة في بلدان عديدة، متطورة ونامية، ولذلك فإن هذه التطورات أكدت أهمية منظومة مجلس التعاون في الاقتصاد العالمي.

الحكمة السياسية للقادة في اتخاذ القرارات والتحالفات الدولية التي أنجزت منذ عام 1990 مكنت دول المنطقة من أن تصبح واحة للأمان والاستقرار رغم كل التحديات الإقليمية غير المواتية

آفاق المستقبل

مجلس التعاون الخليجي يتعاطى مع المستقبل من خلال التعرف على التحديات الكامنة، سياسيا واقتصاديا. كما أن الأوضاع الإقليمية ما زالت غير آمنة، حيث تظل الطموحات الإيرانية لنشر نفوذها ومعتقداتها مقلقة بعد أن سخرت منظمات وميليشيات في بلدان عربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن والتي عطلت الاستقرار في هذه البلدان وأدت إلى خلق نزاعات أهلية بما عرقل التنمية وارتقاء مستويات المعيشة وفي الوقت ذات تهديد دول الجوار ومنها بلدان مجلس التعاون الخليجية.

وكما هو معلوم، فإن الجماعة الحوثية في اليمن استهدفت أمن السعودية ومنشآتها النفطية، كما أن ميليشيات الحشد الشعبي في العراق لا تتوقف عن تهديد الكويت والبحرين بين فينة وأخرى. يضاف إلى ذلك أن إيران ما زالت تعطل تطوير حقل غاز الدرة الذي تشترك في ملكيته السعودية والكويت بدعوى أنها تملك حقوقا في ذلك الحقل.

غيتي
صورة جماعية خلال القمة الثالثة والأربعين لمجلس التعاون الخليجي في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، المملكة العربية السعودية في 9 ديسمبر 2022

من جانب آخر، فإن الكويت ما زالت تعاني من عدم الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية مع العراق رغم القرارات الأممية المعتمدة من مجلس الأمن الدولي بعد نهاية الاحتلال العراقي للكويت في عام 1991. ويصر مجلس التعاون الخليجي على الحقوق التي تتعلق بملف حقل الدرة والحدود البحرية بين الكويت والعراق، في حين تمتنع إيران عن الانصياع لحقوق السعودية والكويت في حقل الدرة ويماطل العراق بشأن الحدود في المياه الإقليمية بين العراق والكويت. وما زالت الدبلوماسية تعمل من أجل الوصول إلى اتفاقات بما يحفظ الحقوق ويؤكد على علاقات سليمة بين دول مجلس التعاون وكل من إيران والعراق.

ماذا عن ترمب

ما يثير القلق بشأن الأمن في الخليج هو عدم اليقين بشأن سياسات الإدارة الأميركية الجديدة بعد فوز دونالد ترمب بالرئاسة. هناك مؤشرات غير مريحة تتعلق بسياسات الرئيس حول دور الولايات المتحدة على المستوى الدولي ورغبة هذا الرئيس في تقليص التدخل من أجل حماية الحلفاء سواء في أوروبا أو في الخليج. لكن هل يمكن أن يتغافل ترمب عن المخاطر التي تواجه دول الخليج في محيطها الإقليمي بعد أن عززت الولايات المتحدة على مدى العقود الثلاثة الماضية عقب احتلال العراق للكويت من دورها في حماية الأمن في هذه المنطقة من العالم؟

دول الخليج ما زالت تمثل شريان الحياة وتؤمن الإمدادات النفطية اللازمة لكثير من الدول المستهلكة. وربما تمكنت الولايات المتحدة من رفع مستويات الإنتاج لكنها تظل مهتمة بتوفر الإمدادات من النفط والغاز للبلدان الصناعية الأساسية ومنها بلدان الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية والهند. وتتطلب تحديات ترمب التعرف على أفكار ومعتقدات الإدارة والتواصل مع المسؤولين فيها وتحديد المشتركات بين دول الخليج والولايات المتحدة بما يعزز التحالف.

ما يثير القلق بشأن الأمن في الخليج هو عدم اليقين بشأن سياسات الإدارة الأميركية الجديدة بعد فوز دونالد ترمب بالرئاسة

لقد عمل ترمب في عهدته الأولى (2017–2021) على تمتين علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجية وتمكن من طرح تصوراته بشأن الصراع العربي الإسرائيلي وطرح السلام الإبراهيمي الذي تولاه صهره جاريد كوشنر والذي تمكن من إقامة علاقات مهمة بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

لكن الأوضاع الراهنة والناتجة عن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وردود الفعل الإسرائيلية المدمرة والتي أدت إلى مقتل 45 ألف مواطن فلسطيني في غزة وتجاوز أعداد الجرحى المئة ألف وتشريد غالبية السكان وتدمير القطاع بشكل مريع، هذه الأوضاع لا بد أن تنعكس على مواقف دول الخليج بما فيها تلك التي وقعت الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل. ولا شك أن جهود الإدارة الأميركية تظل أساسية للتمكن من وقف إطلاق النار والعمل من أجل إقامة دولة فلسطينية. كما أن الوضع في لبنان يمثل هاجسا عربيا على الرغم من توصل الطرفين إلى وقف لإطلاق النار، ولكن يبقى التحدي في تمكين اللبنانيين من تحقيق السلام الأهلي وإعادة إعمار الجنوب الذي تدمر نتيجة الحرب بين إسرائيل و"حزب الله". الدور الأميركي ما زال مستمرا وربما تعمل إدارة ترمب على إنجاز السلام خصوصا وأن ترمب لديه الكثير من المستشارين ذوي الأصول اللبنانية.

خلال السنوات القادمة لا بد أن تواجه دول الخليج التحديات الاقتصادية المحتملة والمتمثلة في المتغيرات في اقتصاديات الطاقة والتوجهات نحو الحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الوقود الأحفوري. فما زالت دول الخليج المنتجة للنفط تشكل ثقلا في إنتاج النفط العالمي حيث تنتج السعودية نحو 9 ملايين برميل يوميا، والكويت 2.4 مليون برميل يوميا، في حين تنتج الإمارات 2.9 مليون برميل يوميا، كما أن عمان وقطر والبحرين تنتج كميات محدودة يمكن إضافتها إلى إنتاج الخليج من النفط. وتعتمد دول الخليج على إيرادات صادراتها من النفط والغاز وهي لذلك تعمل على تحقيق الاستقرار في أسواق النفط والمحافظة على مستويات سعرية مناسبة لمتطلبات الإنفاق لديها. أيضا، دول الخليج شاركت في المؤتمرات الإقليمية والدولية المتعلقة بحماية البيئة وتخفيض الانبعاثات الكربونية وحضرت مؤتمرات عديدة ذات صلة وكان آخر مؤتمر شاركت فيه هذه الدول مؤتمر الأمم المتحدة لمتغيرات المناخ والذي عقد في أذربيجان خلال الفترة 11–22 نوفمبر.

Shutterstock
دونالد ترمب، يتحدث في مؤتمر "CPAC"، في ولاية ميريلاند، 24 فبراير 2024

لا شك أن قضية المتغيرات المناخية تستحق الاهتمام من القمة الخليجية ويتعين على الجهات المتخصصة في دول الخليج أن تطرح تصورات واقعية بشأن هذه القضية وكيفية تحقيق التوازن بين التوافق مع الاستحقاقات المطلوبة دوليا وتوفر الإيرادات اللازمة للإنفاق والتنمية في دول المجلس.

الثروة المالية

تملك دول مجلس التعاون صناديق سيادية تستثمر في مختلف دول العالم وخصوصا في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان. وتتوزع الاستثمارات في أسهم وحقوق الملكية والسندات المدرجة في الأسواق المالية أو في استثمارات مباشرة وعقارات.

هذه الاستثمارات تشكل أهمية اقتصادية وتعضد مداخيل دول مجلس التعاون. وتقدر أصول الصناديق السيادية الخليجية، كما ورد في تقرير لوكالة "بلومبرغ" بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول، الماضي بنحو 4.9 تريليون دولار. وفي الآونة الأخيرة بدأت الصناديق السيادية الخليجية بالتوجه للاستثمار في الصين. لكن يجب التأكيد على أهمية الحرص على تنويع القاعدة الاستثمارية من حيث الأدوات والجغرافيا والعملات. حيث إن الأسواق المالية قد تواجه مشكلات خلال السنوات القادمة نتيجة لعوامل سياسية أو اقتصادية بما يؤكد أهمية الحذر وضبط إيقاع الإدارة الاستثمارية.

رويترز
منشأة نفط أرامكو السعودية في بقيق، المملكة العربية السعودية، 12 أكتوبر 2019

وبطبيعة الحال يجب الاهتمام بتوظيف المزيد من الأموال في مشاريع تنموية داخل منطقة الخليج من أجل تعزيز القاعدة الاقتصادية واستثمار المزيد من الأموال في قطاع التعليم والرعاية الصحية للارتقاء بالتنمية البشرية.

وهناك احتمالات بأن يطلب من دول مجلس التعاون المساهمة في إعادة إعمار غزة ولبنان بما يضع الحكومات في مواقع محرجة، حيث إن متطلبات الإنفاق والتنمية في بلدان المنطقة أصبحت تفوق الإيرادات التقليدية، كما أن مطالبة هذه الدول بالمساهمة في إعمار الخراب الناتج عن نزاعات وحروب لم يكن لدول الخليج مسؤولية عنها لا تعتبر عادلة وقد تواجه تذمرا من شعوب المنطقة.

إذا افترضنا أن دول الخليج قد توافق على المساهمة في توفير الأموال اللازمة لعملية الإعمار فلا بد أن تشارك في إدارة عملية الإعمار والإشراف عليها

وإذا افترضنا أن دول الخليج قد توافق على المساهمة في توفير الأموال فلا بد أن تشارك في إدارة عملية الإعمار والإشراف عليها. وفي الوقت ذاته لا بد أن تكون هناك استراتيجية لعدم تكرار هذه النزاعات، حيث لا بد من الإصرار على إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، أما لبنان فلا بد من استعادة السيادة الوطنية وعدم السماح للميليشيات من منافسة الدولة في العسكرة واقتناء السلاح وإدخال البلاد في حروب لا تتعلق بحماية لبنان وسيادته.

أخيرا، تمثل هذه القمة فرصة أمام القادة لكي يوضحوا للعرب وللعالم سياسات محددة تتعلق بالأمن والاقتصاد والاستثمار دون مجاملات. وتظل المصالح الخليجية ذات أولوية وقد تتلاقي بمصالح عربية وإقليمية ولكن أي علاقات مع أي طرف يجب أن تكون محددة ومقترنة بالمصالح الوطنية والخليجية. وقد ساهمت دول الخليج منذ بداية عصر النفط في دعم البلدان العربية والنامية بالقروض الميسرة والمعونات والاستثمارت وآن الأوان لمراجعة السياسات بما يعزز المصالح الخليجية. ويتعين أن تحدد القمة هذه السياسات لكي يتم اعتمادها من كل دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي.

font change

مقالات ذات صلة