ربما نجح اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه بين إسرائيل ولبنان هذا الأسبوع في إنهاء الأعمال العدائية على المدى القريب، ولكن لا توجد ضمانات بأنه سيؤدي في النهاية إلى حل دائم للصراع.
وبموجب شروط الاتفاق الذي جرى التوصل اليه هذا الأسبوع، والذي يهدف إلى إنهاء 13 شهرا من الأعمال العدائية بين إسرائيل والميليشيا المدعومة من إيران، مُنح "حزب الله" 60 يوما لإنهاء وجوده المسلح في جنوب لبنان، في حين يتعين على القوات الإسرائيلية الانسحاب من المنطقة خلال الفترة نفسها.
وخلال الإعلان عن وقف إطلاق النار، صرّحت الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان ساهمتا في التوسط في الاتفاق، بأنه "سيوقف القتال في لبنان، ويحمي إسرائيل من تهديد (حزب الله) والمنظمات الإرهابية الأخرى العاملة من لبنان".
بالإضافة إلى ذلك، انعكست الآمال في أن يؤدي الاتفاق إلى حل أكثر ديمومة للصراع في تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أشار إلى أن الاتفاق المكون من 13 نقطة "مصمم ليكون وقفا دائما للأعمال العدائية".
الاتفاق الجديد يُعيد فعليا التأكيد على القرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة، الذي أنهى الجولة الرئيسة الأخيرة من الأعمال العدائية بين إسرائيل و"حزب الله" في عام 2006. وينص الاتفاق على انسحاب "حزب الله" شمال نهر الليطاني، مع التزام إسرائيل بوقف التحليق في المجال الجوي اللبناني.
غير أن تحقيق هذه الأهداف في النهاية يعتمد بشكل كبير على كيفية استجابة الأطراف المختلفة المشاركة في الصراع لوقف إطلاق النار. وينطبق هذا بشكل خاص على "حزب الله"، الذي لم يكن من الأطراف التي وقّعت على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه ظاهريا بين حكومتي إسرائيل ولبنان.
ويعني ذلك أن الحكومة اللبنانية، وليس "حزب الله"، هي من يتحمل المسؤولية الكاملة عن تأمين الحدود الجنوبية للبلاد، ومنع جنوب لبنان من التحول مرة أخرى إلى منصة لشن هجمات "حزب الله" على شمال إسرائيل.
ويمثل ذلك تحديا كبيرا لقوات الأمن اللبنانية، التي عانت تاريخيا في احتواء القوة النارية المتفوقة لـ"حزب الله"، والمدعوم بشكل أساسي من إيران.
وينص اتفاق وقف إطلاق النار على أن الحكومة اللبنانية ملزمة بـ"منع (حزب الله) وجميع الجماعات المسلحة الأخرى على الأراضي اللبنانية من تنفيذ أي عمليات ضد إسرائيل".
وقد اشتكت إسرائيل مرارا من عدم تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي ينص على منع "حزب الله" أو أي فصيل مسلح آخر، باستثناء الجيش اللبناني، من الحفاظ على أي وجود عسكري ضمن نطاق يقارب 30 كيلومترا من الحدود الإسرائيلية.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، المتمركزة في جنوب لبنان منذ أكثر من أربعة عقود، هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ هذه المهمة. إلا أن الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير ضد "حزب الله" كشف بوضوح عجز هذه القوات عن التصدي للتوسع العسكري لـ"الحزب" في المنطقة. حيث ركزت العمليات الإسرائيلية بشكل رئيس على تدمير شبكة واسعة من الأنفاق والقواعد العسكرية التي تمكن "حزب الله" من إنشائها وتطويرها في جنوب لبنان، على مرأى ومسمع من قوات حفظ السلام.
يعتقد القادة الإسرائيليون أنهم ألحقوا أضرارا جسيمة بالبنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله" في لبنان، وقضوا على عدد من كبار قادة التنظيم، بما في ذلك زعيمه حسن نصرالله
ويبقى التساؤل قائما حول ما إذا كانت الحكومة اللبنانية، التي تربطها علاقة معقدة مع "حزب الله"، تملك القدرة العسكرية أو الإرادة السياسية لتنفيذ هذه المهمة الشاقة، بما يرضي إسرائيل التي ستراقب عن كثب أي محاولات من "حزب الله" لإعادة تنظيم صفوفه بعد سريان وقف إطلاق النار.
وأشار وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، إلى استعداد الجيش الإسرائيلي للتحرك "بقوة" إذا ظهرت دلائل على سعي مقاتلي "حزب الله" للعودة إلى قواعدهم في المنطقة. وأكد كاتس أن إسرائيل ستتدخل عسكريا عند أدنى انتهاك، بما في ذلك منع الجماعة الإرهابية المدعومة من إيران من إعادة التسلح قرب الحدود الإسرائيلية. وقال كاتس للمبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى لبنان، جانين هينيس بلاسخارت: "سنتحرك ضد أي تهديد، في أي وقت وفي أي مكان"، وذلك وفقا لبيان صادر عن مكتبه.
ويزداد الوضع تعقيدا في جنوب لبنان نتيجة الدعم الشعبي الواسع الذي يحظى به "حزب الله"، خاصة بين سكان المنطقة ذات الأغلبية الشيعية. فقد شوهدت سيارات وشاحنات كثيرة تقل العائلات اللبنانية، العائدة إلى ديارها بعد نزوحها إلى بيروت أثناء القتال، وهي ترفع أعلام "الحزب" المميزة. وأشاد كثيرون منهم بنجاح "الحزب" في تحقيق "نصر كبير" ضد الإسرائيليين.
قد يختلف الجيش الإسرائيلي مع هذا التقييم، إذ يعتقد القادة الإسرائيليون أنهم ألحقوا أضرارا جسيمة بالبنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله" في لبنان، وقضوا على عدد من كبار قادة التنظيم، بما في ذلك زعيمه حسن نصرالله، الذي قُتل في ضربة صاروخية إسرائيلية في سبتمبر/أيلول. لا شك أن "حزب الله" تكبّد خسائر فادحة خلال الشهرين الماضيين من القتال؛ حيث أفاد مسؤولون استخباراتيون غربيون بأن ترسانة "الحزب" الضخمة من الصواريخ تقلّصت إلى النصف، وتعرّضت شبكات أنفاقه في جنوب لبنان للتدمير، كما تعطّلت أنظمته المالية وسلاسل إمداده بشكل كبير.
يلزم وقف إطلاق النار الجانب الإسرائيلي بالامتناع عن تنفيذ "أي عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف لبنانية"، سواء كانت هذه الأهداف مدنية أو عسكرية، أو تابعة للدولة اللبنانية، داخل الأراضي اللبنانية.
وبينما قد تواجه الحكومة اللبنانية تحديات كبيرة في الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضا صعوبات مماثلة. إذ إن قراره بالموافقة على وقف إطلاق النار لا يحظى بتأييد شعبي واسع داخل إسرائيل.
إحدى القضايا التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي قوله إن الاتفاق سيتيح عودة نحو 60 ألف إسرائيلي اضطروا إلى مغادرة منازلهم في شمال البلاد بسبب القصف المستمر من قبل "حزب الله".
ومع تصاعد المخاوف بين الإسرائيليين حول عدم توفر الأمن للعودة إلى منازلهم في ظل احتفاظ "حزب الله" بترسانة ضخمة من الصواريخ والأسلحة، أبدى سياسيون من المعارضة انتقاداتهم لاتفاق وقف إطلاق النار. وقد أظهر استطلاع رأي أجري عقب إعلان الاتفاق أن نسبة تأييده لم تتجاوز 20 في المئة بين الإسرائيليين.
علاوة على ذلك، يعرب كثير من الإسرائيليين عن استيائهم، معتبرين أن وقف إطلاق النار "ترك العملية العسكرية ضد (حزب الله) غير مكتملة". وحذر رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت من أن "الحزب" اللبناني، المدعوم من إيران، لا يزال يمثل تهديدا كبيرا لأمن إسرائيل.
وقال بينيت: "لا يزال (حزب الله) يمتلك مخزونا ضخما يضم عشرات الآلاف من الصواريخ. الإنجاز العسكري الكبير الذي تحقق... يتحول إلى فشل كامل على المستويين الأمني والدبلوماسي".
ومع تصاعد التوترات والمشاعر على جانبي الحدود الجنوبية للبنان، يبدو واضحا أن هناك جهودا كبيرة يجب بذلها لتحويل وقف إطلاق النار المؤقت إلى اتفاقية طويلة الأمد.