بعد ثمانية أشهر من وصوله إلى السلطة، أعلن حزب الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي عن تحقيق فوز مريح في الانتخابات التشريعية المبكرة، التي جرت مؤخرافي أجواء وصفت بشكل عام بـ"السلاسة والهدوء".
وبهذا تمكن "الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة"، الحزب الحاكم المعروف اختصارا بـ"باستيف"، من حصد أغلبية مقاعد البرلمان السنغالي، ما سيفسح المجال أمام الرئيس باسيرو ديوماي فاي، وعثمان سونكو رئيس الحكومة، من تطبيق أجندتهما الإصلاحية الطموحة، ويمنحهما مطلق الحرية لتنفيذ وعودهما، وبالتالي تمهيد الطريق نحو أَجْرَأةِ برنامج "القطيعة" الذي سيعتمده حزب "باستيف"، ومن أجل ترجمة تعهداته بمكافحة الفساد وتحقيق التحول الاقتصادي المنشود، ولجعل السنغال "دولة عادلة ومزدهرة وذات سيادة ترتكز على قيم قوية" حسب الشعار الجذاب للحملة الانتخابية لحزب "باستيف".
تفتخر السنغال بكونها البلد الأكثر استقرارًا في القارة الأفريقية، وتعد من أوائل الدول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي نظمت فيها انتخابات رئاسية متعددة الأحزاب، حيث حافظت السنغال على استقرارها بفضل الانتخابات المنتظمة والتناوب السلمي، وإن شابها العنف في بعض الأحيان، فإن ذلك لم يضع استقرار مؤسسات البلاد موضع تساؤل في أي وقت. وهذا الاستقرار هو ما سمح للسنغال بتجنب الانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية الكبيرة.
كما تعد السنغال دولة رئيسة في المنطقة، تلعب دورًا مركزيًا داخل الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا.
وقد جرى التنافس على مقاعد البرلمان مرة أخرى في قلب الصراعات من أجل السيطرة على مقاليد المشهد السياسي، حيث وجد حزب "باستيف"، الذي يتولى السلطة منذ 24 مارس/آذار 2024، نفسه في مواجهة كثير من التحالفات الانتخابية. غير أن أغلب أحزاب المعارضة كانت تشكيلات ضعيفة للغاية وغير متجانسة، بل وجمعت في بعض الأحيان "أعداء الأمس"، وما قربها هو معارضة حزب "باستيف" الذي يتزعمه عثمان سونكو حليف الرئيس الحالي ديوماي فاي.
ومن أهم تحالفات المعارضة التي خاضت الانتخابات اثنان، الأول بقيادة الرئيس السابق ماكي سال، ورئيس وزرائه السابق أمادو با، الذي خسر الأغلبية المطلقة في الانتخابات السابقة (2022). بينما تمكن ائتلاف "تحرير الشعب" بقيادة عثمان سونكو من مضاعفة عدد مقاعده أربع مرات.
محو طبقة سياسية
لقيت وعود التغيير التي عبَّر عنها حزب "باستيف" صدى إيجابيا في نفوس المواطنين السنغاليين، وخلفت آمالا عريضة تجلت في الرفع من سقف التوقعات بين مختلف فئات وطبقات الشعب، وبالأخص منها الوعد بـ"القطيعة الكاملة" مع النظام السياسي للرئيس السابق ماكي سال وأسلافه من الرؤساء السنغاليين الذين توالوا على حكم البلاد.
نسبة إقبال الناخبين بلغت 49.72 في المئة، وعملية التصويت مرت في ظروف سلمية نسبيا، شهدتها جميع أنحاء الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، ما يدل على "التزام الأمة بالحكم الدستوري"، حسب ما أدلى به الباحث في العلوم السياسية السنغالي أماكا إيموردي، الأستاذ المحاضر في جامعة أوبافيمي أوولوو، الذي أكد على أن الاستحقاقات التشريعية الأخيرة "كانت بمثابة انتصار للديمقراطية"، "تظهر مدى رغبة السنغاليين في مأسسة المبادئ الديمقراطية والتأكيد على التزام السنغال بالديمقراطية الدستورية".
لم يكن فوز حزب "باستيف" من قبيل الصدفة، أو نتيجة مفاجئة بالكامل للمتتبعين للشأن السياسي في السنغال، بل كان إلى حد ما نتيجة منتظرة توقعها أغلب الملاحظين، ورجحتها مجموعة من الجهات السياسية والمنابر الإعلامية، المحلية منها على وجه الخصوص، التي أجمعت على أن حزب عثمان سونكو سيكون بـ"مقدوره الفوز بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية".
وقبل يوم الاقتراع توقع عدد من المراقبين بأن السنغال "ستشهد إعادة تشكيل واسعة النطاق للطيف السياسي"، وإعادة اصطفاف التحالفات بالكامل، مقارنة بما عُرِف خلال عهد الرئيس السابق ماكي سال.فبالنسبة لائتلافات المعارضة المختلفة، كان الأمر معقدا، في مواجهة باستيف الذي "يتكلم بصوت واحد".
ولم يخرج رأي الباحث السنغالي باباكار ندياي عن هذه التوقعات، عندما صرح بأن "هذه الانتخابات تمثل محو طبقة سياسية كان لها يومها".