صورة بايدن في التاريخ... فلسطين قد تحدد الخاتمة في البيت الأبيض

داعم للإبادة في غزة أم معترف بالدولة الفلسطينية؟

المجلة
المجلة

صورة بايدن في التاريخ... فلسطين قد تحدد الخاتمة في البيت الأبيض

ثمة حلم يراودني، يشبه ذلك الذي أعلنه مارتن لوثر كينغ في خطابه الشهير عام 1963 عند نصب لينكولن التذكاري في العاصمة واشنطن.

فأما حلم كينغ فما زال صداه يتردد حتى يومنا هذا، حيث يناضل كثيرون في الولايات المتحدة لخلق مجتمع أكثر إنصافا وعدالة دون عنصرية وتمييز منهجيين. وأما حلمي فمرتبط بمنطقة الشرق الأوسط التي ابتليت بظلم فادح ألمّ بالشعب الفلسطيني، ولكنه– لو قيض له أن يتحقق في يوم من الأيام، فسوف يساعد على تحويل الشرق الأوسط إلى مكان أفضل بكثير، مكان تسود فيه العدالة والكرامة الإنسانية، وتتعايش فيه شعوب المنطقة في سلام ورخاء.

إن حلمي مرتبط بما يمكن للرئيس بايدن أن يقدم عليه إذا أراد أن يدخل التاريخ بصفته الرئيس الأميركي الذي اختار أخيرا الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ عندما يتعلق الأمر بالمعضلة الفلسطينية.

وعلى الرغم من الكثيرين لن يستطيعوا نسيان دعمه المفرط وغير المشروط لإسرائيل الذي جعلها قادرة على التسبب في كل هذه الفوضى في فلسطين ولبنان وسوريا، وهو ما سيبقى وصمة عار على جبينه، فربما يغفر معظمهم له إذا عمل على تحقيق الحلم الذي يراودني. فهل سيرتقي الرئيس بايدن إلى مستوى الحدث.

بايدن صهيوني كما أعلن بنفسه في مناسبات عدة. لكنه أيضا لا يكنّ مشاعر إعجاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحكومته المتطرفة. لذلك، إذا أراد الحفاظ على إسرائيل كوطن لليهود كما ينادي دعاة الأيديولوجيا الصهيونية وفي الوقت نفسه كموطن لديمقراطية تتناسب مع القيم التي يقدسها دستور الولايات المتحدة، فقد يضطر حينها إلى مواجهة خيار حاول جاهدا أن يتجنبه، وخاصة منذ بداية مأساة غزة.

ففي الأسبوع الماضي تحديدا، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد مشروع قرار مخفف اقترحته الدول العشر غير دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. واكتفى مشروع القرار بالدعوة إلى "وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار"، وطالب بـ"الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن".

وقد تضمن الجزء الأكثر أهمية من مشروع القرار صياغة تعكسبنودالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بشكل فضفاض نوعا ما، ونص المشروع على أن "الوضع في قطاع غزة والتصعيد الإقليمي يشكلان تهديدا للسلم والأمن الدوليين...". ومن دون هذه الكلمات بالتحديد، فالقرار لن يكون أكثر من تكرار لقرارات سابقة تبناها المجلس.

بايدن صهيوني كما أعلن بنفسه في مناسبات عدة. لكنه أيضا لا يكن مشاعر إعجاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحكومته المتطرفة

لو أدرجت هذه الصياغة واعتمد المشروع، لكان من الممكن أن يفتح الباب أمام اتخاذ تدابير قسرية ضد إسرائيل في حال امتنعت عن تنفيذ القرار، ولنتذكر هنا أن لإسرائيل– في تحديها لقرارات مجلس الأمن– سجلا لا مثيل له بين سائر الدول الأعضاء.

اليوم، وقد باتت إدارة ترمب على مقربة بضعة أسابيع لا أكثر من المكتب البيضاوي، لعل الوقت قد حان لكي يصحح الرئيس بايدن أخطاءه ليس تجاه الفلسطينيين وحسب، ولكن أيضا كي يذكره التاريخ على أنه الرئيس الأميركي الذي اعترف بالدولة الفلسطينية. وإذا أقدم على مثل هذه الخطوة، ستنضم الولايات المتحدة إلى الغالبية العظمى من المجتمع الدولي، وتنحاز بالتالي– أخيرا– إلى الجانب الصحيح من التاريخ فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولكن أهم من كل ذلك كله سيكون خلق واقع جديد ستجد إدارة ترمب القادمة صعوبة في التراجع عنه.

أ ف ب
الرئيس الأميركي جو بايدن يتوجه إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، 15 أغسطس

 

يمثل توقيت هذه الخطوة من قبل إدارة بايدن أمرا بالغ الأهمية بالنظر إلى المواقف التي اتخذتها إدارة ترمب السابقة دعما للسياسات الإسرائيلية

ويمثل توقيت هذه الخطوة من قبل إدارة بايدن أمرا بالغ الأهمية بالنظر إلى المواقف التي اتخذتها إدارة ترمب السابقة دعما للسياسات الإسرائيلية. فقد نقل الرئيس ترمب السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وأعلن "مبدأ بومبيو"، الذي نص على أن إسرائيل لا تشكل قوة احتلال في الضفة الغربية ما يؤكد أن المنطقة هي أرض متنازع عليها، وأوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وانسحب من اليونسكو، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، لاتخاذها مواقف لا توافق عليها إسرائيل، وأوقف المساعدات الاقتصادية الأميركية للسلطة الفلسطينية كما أغلق البعثة الفلسطينية في واشنطن.

وقبل ثماني سنوات، في الأسابيع الأخيرة من ولاية أوباما، شعرت إدارة أوباما بالإحباط بسبب التهرب المستمر لرئيس الوزراء آنذاك نتنياهو من تقديم أي بادرة ذات مغزى في سبيل تحقيق حل الدولتين الذي أعلن دعمه له في خطابه في جامعة بار إيلان عام 2009، فقرر الرئيس أوباما ترك علامة مميزة لكل من إسرائيل وإدارة ترمب المقبلة.

وقد شجعت الولايات المتحدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اعتماد القرار 2234 في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، الذي أكد مجددا على جملة من الأمور من بينها أن "إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، لا يستند إلى أي شرعية قانونية ويشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وعقبة رئيسة أمام تحقيق حل الدولتين وإرساء سلام عادل ودائم وشامل؛ وكرر أن "إسرائيل يجب أن توقف فورا وبشكل كامل كافة الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية؛ وشدد على أن "وقف جميع أنشطة الاستيطان الإسرائيلية ضروري لإنقاذ حل الدولتين".

وقتها امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، فيما بدا وكأنه وسيلة لإظهار إحباط إدارة أوباما من حكومة نتنياهو آنذاك.

وما يثير الأسف حقا أن القرار لم يؤثر على إدارة ترمب، التي شرعت في اتخاذ عدد من الإجراءات دعما للسيادة الإسرائيلية على الأراضي العربية المحتلة كما ذكرنا آنفا...

هذه المرة، يمكن للرئيس بايدن أنيسير على خُطىأوباما. فبوسعه أن يدعم أو على الأقل يرضخ لقرار مجلس الأمن الذي يعترف بالدولة الفلسطينية (كما فعل الرئيس أوباما) ويعترف بها بعضوية كاملة في الأمم المتحدة. ومع تبني الولايات المتحدة موقفا مؤيدا للدولة الفلسطينية، فمن غير المعقول أن تتخذ كل من فرنسا والمملكة المتحدة موقفا مغايرا. فقد أعطت كلتا الدولتين مؤشرات على أنهما تؤيدان من حيث المبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية (أو أنهما ستعترفان بها).

إن اعتراف مجلس الأمن بدولة فلسطينية سوف يشكل نقطة تحول في إقامة دولة قابلة للحياة للشعب الفلسطيني

إن اعتراف مجلس الأمن بدولة فلسطينية سوف يشكل نقطة تحول في إقامة دولة قابلة للحياة للشعب الفلسطيني. وتكمن أهمية هذا الاعتراف في أنه سيعطي المجلس صلاحية إعلان أي مستوطنة أو أية قاعدة عسكرية إسرائيلية انتهاكا للسيادة الفلسطينية. وعند الأخذ في الاعتبار القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية في مايو/أيار الماضي، وأوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، فإن هذه العوامل مجتمعة من شأنها أن تخلق حدودا قانونية أو تضيق الخناق حول إسرائيل، ما يجعلها عُرضة لمجموعة من الدعاوى القضائية.

وستكون هذه الخطوة بادرة بالغة الأهمية من جانب الرئيس بايدن. ومن المؤكد أنها لن تكون كافية للتعويض عن تواطؤ الولايات المتحدة في الخسائر المأساوية غير المبررة في الأرواح في فلسطين ولبنان. إلا أنها سوف تبعث رسالة واضحة لا يمكن الطعن بها إلى الشعب الإسرائيلي وهي أن إقامة دولة فلسطينية هو أمر حتمي لا مفر منه. نأمل أن تفضي مثل هذه البادرة إلى خلق ديناميكية داخل إسرائيل ضد الحكومة الحالية مشجعة جميع الإسرائيليين الراغبين في التعايش بسلام مع دولة فلسطينية.

رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن في تل أبيب، في 18 أكتوبر 2023

وفوق كل ذلك، سيقدم الرئيس بايدن للشعب الإسرائيلي خدمة جليلة، حيث سيساعدهم على الهروب من حلمهم البائس في إقامة دولة الفصل العنصري التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى نهر الأردن على الأقل.

وإذا تحقق حلمي، وهذا "احتمال" بعيد المنال، فمن الأهمية بمكان أن ندرك أنه كما لم يتحقق الحلم الذي تصوره "كينغ" بالكامل بعد، فإن طريق النضال لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة ما زال طويلا ومستمرا.

وإذا لم يحقق الرئيس بايدن الحلم الذي يراودني، وهو الأمر الأكثر احتمالا، فسوف يسجل التاريخ أنه الرئيس الأميركي الذي مكّن إسرائيل من ارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني وأهدر فرصة تحقيق العدالة في منطقة الشرق الأوسط.

font change

مقالات ذات صلة