دراما في باكو... هل حقق مؤتمر "كوب 29" أهدافه؟https://www.majalla.com/node/323222/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%83%D9%88-%D9%87%D9%84-%D8%AD%D9%82%D9%82-%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D9%83%D9%88%D8%A8-29-%D8%A3%D9%87%D8%AF%D8%A7%D9%81%D9%87%D8%9F
قال إلهام علييف، رئيس أذربيجان، في كلمته الافتتاحية بمؤتمر الأطراف "كوب 29": "حُفرت أول بئر نفط صناعية في العالم في باكو بأذربيجان، في سنة 1846. وهي ليست بعيدة عن هذا المكان، ربما يستغرق الوصول إليها 10-15 دقيقة بالسيارة". ووصف النفط والغاز بأنهما "هبتان من الله"، ودعا إلى عدم الحكم على الدول لاستخدامها الموارد الطبيعية المتاحة لديها. وكانت أثيرت تساؤلات في شأن اختيار أذربيجان لاستضافة مؤتمر مخصص لإيجاد حلول لقضايا المناخ.
وأشار علييف بتحدٍ إلى أن "كوب 29" اجتذب نحو 72,000 مشارك مسجلين من 196 دولة، بما في ذلك 80 رئيسا ونائب رئيس ورئيس وزراء. لكن كان هناك بعض الغائبين الكبار في باكو، مثل الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب، بالإضافة إلى قادة روسيا والصين وفرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية. وقد حضر الوفد الأرجنتيني لكنه غادر فجأة بأمر من الرئيس خافيير ميلي، فور تأكيد فوز ترمب في الانتخابات الأميركية.
طموحات والتزامات جديدة
ولكن في نهاية المطاف، عملت وفود كثيرة وقتا إضافيا، سعيا للتوصل إلى اتفاق، إذ إن المفاوضات في شأن بعض القضايا الرئيسة في المؤتمر تجاوزت اليوم الأخير. وانتهت بعد أكثر من 30 ساعة من الوقت المتوقع لاختتام مؤتمر "كوب 29". فكيف كان أداء المؤتمر من حيث تحقيق أهدافه؟
من المجالات التي تحقق فيها تقدم كبير في "كوب 29"، التكامل بين إجراءات الرعاية الصحية وقضايا المناخ
كان من المتوقع في أعقاب دورة العام الماضي "كوب 28" في دبي أن يتناول مؤتمر "كوب 29" في باكو موضوعات حاسمة، في مقدمها حصة التمويل التي تبدي الدول المتقدمة استعدادا لالتزامها لمكافحة القضايا المناخية التي تؤثر على العالم. وكان من المتوقع أيضا أن تكون هناك أهداف جديدة تلزم بها بعض الدول نفسها في ما يتعلق بانبعاثات الكربون، وإعلانات رئيسة أخرى ذات صلة بقيادة شؤون المناخ، لا سيما بعد إعادة انتخاب ترمب والتوقعات بأن تولي الولايات المتحدة أهمية منخفضة لسياساتها المناخية تحت قيادته.
تكامل بين الرعاية الصحية وقضايا المناخ
من المجالات التي تحقق فيها تقدم كبير في "كوب 29"، كان التكامل بين إجراءات الرعاية الصحية وقضايا المناخ. فقد عقد أول يوم للصحة قبل عام في مؤتمر "كوب 28"، لكن الحدث في باكو أكد استخدام المبادئ التوجيهية لتمويل الحلول المناخية والصحية بوصفها إطار عمل، وعرض عددا من القصص المتعلقة بالتآزر بين المناخ والصحة. وأشاد بيان رسمي صادر عن منظمة الصحة العالمية بهذه النتائج قائلا إن مؤتمر "كوب 29" "مهد الطريق لحقبة تتكامل فيها الاعتبارات الصحية بسلاسة مع السياسات المناخية لتحقيق مستقبل يتسم بمزيد من الصحة والقدرة على المواجهة للجميع".
كانت هناك أيضًا بعض الإعلانات المهمة في ما يتعلق بالجهود الوطنية التي تبذلها الاقتصادات الرائدة. فقد أعلنت المملكة المتحدة مساهمتها الجديدة المحددة على المستوى الوطني، وذلك برفع تعهدها السابق خفض انبعاثات الكربون بمقدار 68 في المئة، أي دون مستويات سنة 1990، قبل سنة 2030 إلى مستوى جديد يبلغ 81 في المئة في سنة 2035. ويرى بعض المحللين في ذلك رغبة الحكومة البريطانية الجديدة في تولي مسؤولية القيادة العالمية في مجال المناخ من الولايات المتحدة.
تستطيع الدول الآن تسريع العمل المناخي والاستفادة من منهجيات أثبتت جدواها في الرصد والإبلاغ والتحقق، وتشجيع تمويل القطاع الخاص لتلبية المساهمات المحددة وطنيا وتجاوزها
ماندي رامباروس، الرئيسة التنفيذية لشركة "فيرا"
تحقيق تقدم في أسواق الكربون
ربما كان من أبرز إنجازات "كوب 29" تحقيق اختراق في أسواق الكربون. فقد توصل المندوبون إلى اتفاق في شأن أحكام المادة 6.4، التي تتيح لشركة في أي دولة تحقيق أرباح بخفض الانبعاثات محليا وبيع تلك الأرصدة لشركة أخرى في دولة أخرى. ورأت سجلات الكربون ذلك يساعد في التعاون بين القطاعين العام والخاص في هذا الموضوع ويُحسّن التمويل المناخي.
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة "فيرا"، ماندي رامباروس: "تستطيع الدول الآن تسريع العمل المناخي والاستفادة من منهجيات أثبتت جدواها في الرصد والإبلاغ والتحقق، وحفز تمويل القطاع الخاص لتلبية المساهمات المحددة وطنيا وتجاوزها". لكن محللين آخرين حذروا من أن ذلك قد يشجع انتشار "أسواق الكربون غير المنضبطة"، وليس الرقابة التي يحتاج إليها العالم.
صراع التمويل بين الدول النامية والمتقدمة؟
وصف "كوب 29" بأنه "المؤتمر المعني بالتمويل" إذ توجد على جدول أعماله قرارات رئيسة لتمويل الحلول المناخية. وكانت قمة المناخ في كوبنهاغن في سنة 2009 (كوب 15)، قد حددت مبدئيا هدف جمع 100 مليار دولار سنويا من الدول المتقدمة بوصفه "الهدف الجماعي الكمي الجديد".
ستحتاج الدول النامية إلى نحو 1.1 تريليون دولار من التمويل المناخي بدءا من سنة 2025، على أن يرتفع هذا الرقم إلى 1.8 تريليون دولار في سنة 2030
الأمم المتحدة
وكان من المفترض تحقيقه في سنة 2020، لكنه لم يتحقق فعليا إلا في سنة 2022. وكان من المقرر مراجعة هذا الهدف في "كوب 29"، حيث قدر نموذج الأمم المتحدة للسياسات العالمية أن الدول النامية بحاجة إلى نحو 1.1 تريليون دولار من التمويل المناخي بدءا من سنة 2025، على أن يرتفع هذا الرقم إلى 1.8 تريليون دولار في سنة 2030. وكان من المتوقع أن يشمل ذلك زيادة الهدف للدول المتقدمة إلى 0.89 تريليون دولار في سنة 2025 و1.46 تريليون دولار بعد خمس سنوات. وكانت هناك توقعات دائماً بأن تتسم المفاوضات في شأن هذه الأرقام في باكو بالصعوبة، لكن تبين أنها أصعب بكثير مما كان متوقعا.
300 مليار دولار سنويا "مبلغ تافه"
كان من المتوقع في البداية أن يختتم مؤتمر "كوب 29" يوم الجمعة الماضي، لكن المحادثات استمرت حتى نهاية الأسبوع. فقد رفضت الدول النامية عرضا موقتا بقيمة 250 مليار دولار بوصفه "نكتة"، ونظم بعض الوفود من الدول الصغيرة انسحابا دراماتيكيا. وقال رئيس تحالف الدول الجزرية الصغيرة، سيدريك شوستر، إن "رأيهم غير مسموع"، قبل أن توافق الدول المتقدمة أخيرا على رفع مساهمتها إلى 300 مليار دولار سنويا. وعلى الرغم من تأكيد رفع المبلغ الإجمالي وترحيب البعض به، فقد وصفته أصوات بارزة مثل المندوبة الهندية ليلا ناندان بأنه "مبلغ تافه".
إذا قارن المرء هذا الالتزام بمستوى التمويل القائم حاليا، يجد أنه يشكل تحسنا كبيرا. كما أن صياغته تشير إلى "تشجيع" الدول النامية على المساهمة في جمع مبلغ إجمالي مقداره 1.3 تريليون دولار، بما في ذلك التمويل الخاص. لكن المشكلة الواضحة هي توقع ألا تقدم الولايات المتحدة أي مساهمة كبيرة، مما يترك فجوة ضخمة يجب ردمها. وقد حققت الصين انتصارا دبلوماسيا بإعلانها أن مساهماتها ستُدرج ضمن هذا المبلغ، مع أن هذا التمويل سيكون طوعيا.
خلافات "كوب 29" ومعارضة الناشطين البيئيين
ولا شك في أن الاستقبال المختلط للمبلغ النهائي المؤكد سيؤثر سلبا على المعلومات المحدثة للدول النامية في شأن التزاماتها المتعلقة بالانبعاثات، التي ستنشر في غضون في الأشهر المقبلة.
لم تقتصر الدراما في باكو على اللحظات الأخيرة فحسب؛ بل كان الخلاف العنصر الأهم منذ البداية. وجاء خطاب الرئيس علييف الافتتاحي، مثالا واضحا على اتخاذ موقف دفاعي. فقد انتقد فيه "وسائل الإعلام الزائفة" في الغرب
لم تقتصر الدراما في باكو على اللحظات الأخيرة فحسب؛ بل كان الخلاف العنصر الأهم منذ البداية. وجاء خطاب الرئيس علييف الافتتاحي، الذي استغرق 15 دقيقة، بمثابة مثال واضح على اتخاذ موقف دفاعي. فقد انتقد فيه "وسائل الإعلام الزائفة" في الغرب التي وصفت بلاده بأنها دولة نفطية، وتحدث عن "التطهير العرقي" للأذربيجانيين من أراضيهم الأصلية، وشمت بفشل من كانوا يرغبون في مقاطعة مؤتمر "كوب 29". ما لم يذكره علييف أن كثرا من المحتجين وصفوا أذربيجان بأنها ديكتاتورية، واتهموها باحتجاز أكثر من 300 سجين سياسي، بمن فيهم نشطاء المناخ.
وكانت الناشطة البيئية السويدية غريتا ثورنبرغ أعربت سابقا عن معارضتها لأن تستضيف باكو مؤتمر "كوب 29"، وقالت "إن اقتصادها يعتمد اعتمادا كاملا على الوقود الأحفوري، وإنها تخطط لتوسيع إنتاجه وتصديره. وليس لديها أي خطة لالتزام إجراءات مناخية جدية"، وأضافت أن ذلك كان "نفاقا من نواح عديدة". وكان لها حضور إعلامي واضح في أرمينيا المجاورة في أثناء الأسبوع الأول من "كوب 29"، وتلك خطوة لم تغفل عنها باكو.
تأكدت ادعاءات ثورنبرغ في شأن التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري قبل أيام من انعقاد المؤتمر عندما كشف تحقيق أجرته شبكة "بي. بي. سي." أن مسؤولا بارزا في "كوب 29"، هو النور سلطانوف، استغل منصبه للتوسط في صفقات لتطوير حقول جديدة للنفط والغاز في أذربيجان. ولم يكن الوحيد. فقد استخدم مندوبو ناميبيا مؤتمر "كوب 29" لتنظيم فعاليات جانبية تروّج لفرص الوقود الأحفوري في بلادهم، قائلين إن ذلك جزء من "رؤيتهم للمستقبل".
رأى الرئيس الأميركي جو بايدن إن المؤتمر حقق "نتيجة تاريخية". وقال مفوض المناخ في الاتحاد الأوروبي، فوكبي هوفسترا، إن مؤتمر "كوب 29" هو "بداية عصر جديد للتمويل المناخي"
فشل مؤتمر "كوب 29" في النهاية في التوصل إلى خطة عمل ملموسة. بدلا من ذلك، كررت الصياغة النهائية التزامات "كوب 28" في شأن "الانتقال بعيدا من الوقود الأحفوري"، وهو ما عده البعض تكتيكا للمماطلة.
تسفير التحديات المناخية الى "كوب 30"
غادر معظم المندوبين باكو الآن وسيعاودون التركيز على التحديات المناخية في مؤتمر "كوب 30" في بيليم بالبرازيل. وكانت أوستراليا تأمل في تأمين إجماع لاستضافة مؤتمر "كوب 31"، بوصفه فرصة لتقديم رؤية أوضح لجزر المحيط الهادئ التي ستتأثر مباشرة بتغير المناخ. لكن تركيا رفضت سحب عرضها المنافس، وسيتخذ القرار النهائي في يونيو/حزيران المقبل.
لم تقدم ردود فعل القادة والناشطين حول العالم حكما بالإجماع على مؤتمر "كوب 29". الرئيس الأميركي جو بايدن قال إن المؤتمر حقق "نتيجة تاريخية". ورأى مفوض المناخ في الاتحاد الأوروبي، فوكبي هوفسترا، إن مؤتمر "كوب 29" هو "بداية عصر جديد للتمويل المناخي"، وفي ما يتعلق بالفشل في التقدم على طريق الانتقال والتكيف، قال هوفسترا: "إنه أقل مما كنا نتمناه، لكنه أفضل مما نخشاه. وكلنا غير راضين عن خسارة سنة أخرى".
كنت آمل في نتيجة أكثر طموحا – سواء في التمويل والتخفيف – للتصدي للتحدي العظيم الذي نواجهه. لكن هذا الاتفاق يوفر أساسا يمكن البناء عليه
أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فقد كان حذرا أيضا في تقييمه العام، "كنت آمل في نتيجة أكثر طموحا – سواء في التمويل والتخفيف – للتصدي للتحدي العظيم الذي نواجهه. لكن هذا الاتفاق يوفر أساسا يمكن البناء عليه".
الهند رفضت صفقة التمويل المناخي
لكن الهند اتخذت موقفا رافضا لصفقة التمويل المناخي، معربة عن خيبة أملها لأن الصفقة تعني في الواقع أن "مبالغ كبيرة من التمويل يجب أن تجمعها الدول النامية بنفسها". وصرح أرونابها غوش، الرئيس التنفيذي لمجلس الطاقة والبيئة والمياه، بأن المؤتمر "فشل في الاضطلاع بولايته الأساسية". وترى الهند نفسها الآن حاملة لواء الجنوب العالمي في هذا الصراع لتحقيق العدالة المناخية. وقالت مجموعة الدول الأقل نموا المعنية بتغير المناخ إن الدول الغربية "دمرت" الهدف الجماعي الكمي الجديد ووصفت نتائج "كوب 29" بأنها "ليست مجرد فشل، بل خيانة".
يغادر العالم باكو وهو يشعر بأن التحديات الكبرى لا تزال قائمة في ما يتعلق بالإجراءات المضادة لتغير المناخ. وقد أضاف جو بايدن في أسابيعه الأخيرة رئيسا للولايات المتحدة، ملاحظة تنم عن تفاؤل حذر إلى بيانه في شأن الاتجاه الذي يعتقد أن العالم يسلكه، "مع أن البعض ربما يسعى إلى إنكار أو تأجيل ثورة الطاقة النظيفة التي تجري في أميركا وحول العالم، فإن ما من أحد يستطيع إيقافها – لا أحد".