ألكسندر دوغين: خسرنا الغرب... ولكن أعدنا اكتشاف العالم

الفيلسوف الروسي الملقب بـ"عقل بوتين" في مقابلة حصرية مع "المجلة"

ميشيل تومبسون/المجلة
ميشيل تومبسون/المجلة

ألكسندر دوغين: خسرنا الغرب... ولكن أعدنا اكتشاف العالم

في مقابلة حصرية مع "المجلة"، أعرب الفيلسوف السياسي الروسي ألكسندر دوغين- المعروف على نطاق واسع باسم "عقل بوتين"- عن انتقاداته بشأن قرار إدارة بايدن الأخير بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية وهو ما يُنذر ببدء مرحلة خطيرة في الصراع.

كان غضبه من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، بعد خسارته أمام دونالد ترمب، ملموسًا طوال المقابلة- على الرغم من أنه عبر عن غضبه بنبرة هادئة ومتزنة. ويرى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يزال غير رادع في مواجهة عدوان بايدن "المجنون" على حد قوله، والذي يقول إنه لن يؤثر على تفوق موسكو في ساحة المعركة، مضيفا أن قرار واشنطن بالسماح باستخدام الصواريخ بعيدة المدى كان يهدف إلى "وضع ترمب في موقف محرج للغاية".

وحذر دوغين في مقابلة عبر تطبيق "زووم" من منزله في موسكو، من أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في الفترة الانتقالية بينما يختار ترمب فريقه قبل تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني، هو استفزاز روسيا وإجبارها على استخدام أسلحة نووية ضد كييف، بل واستهداف عواصم دول أوروبية بصواريخ بعيدة المدى، موضحا أن "هذا يمكن أن يقيد يدي ترمب في محاولته لإنهاء الحرب".

وعندما سُئل عما إذا كان أكثر من ألف يوم من الحرب قد أضر بروسيا اقتصاديا، رد دوغين أن العكس هو الصحيح، موضحا أن "العقوبات كانت نعمة وليست نقمة من حيث إنها قللت من اعتماد روسيا على الغرب، وعززت إنتاجها المحلي وطورت قطاعها الصناعي".

وفي الوقت نفسه، استعرض مقاربة روسيا المعدلة للعالم متعدد الأقطاب، وهي مقاربة تسعى إلى إعادة بناء تحالفات مع دول الجنوب العالمي والابتعاد عن "الإمبراطورية الأطلسية" التي تقودها الولايات المتحدة.. "ربما نكون قد خسرنا الغرب، لكننا نكتشف الآن الجنوب العالمي وأقطاباً جديدة في العالم الإسلامي مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران وإندونيسيا وباكستان. ولأول مرة في التاريخ الروسي، أصبح العالم الإسلامي شيئًا ذا أهمية حقيقية".

هنا النص الكامل للمقابلة:

* بقي شهران تقريبا على تولي السيد ترمب منصبه: كيف ترون تطورات حرب أوكرانيا؟

- فيما يتعلق بسير المعارك، إذا ما أخذنا في الاعتبار استخدام الأسلحة التقليدية فقط، فإن النصر سيكون حتما من نصيب روسيا، ولئن كنت غير قادر على الجزم ما إذا كان هذا النصر وشيكا أو بعيدا، لكنه واضح من خلال استعادتنا لزمام المبادرة، وهو ما يبدو جليا على الأرض. من الواضح أن مستوى الأسلحة التقليدية، سواء من حيث جودتها أو كميتها، لن يُحدث تغييرا جوهريا في مسار الحرب. هذا الأمر كان واضحا حتى قبل الانتخابات الأميركية، حيث ظل التوازن الاستراتيجي للقوى مستقرا، رغم الهجوم على كورسك.

هذا التوازن هو ما دفع الرئيس بايدن، الذي بات قريبا من مغادرة البيت الأبيض، إلى محاولات يائسة لكسره، خاصة مع تصريحات ترمب العلنية التي أبدى فيها رغبته في إنهاء الصراع وإحلال السلام في أوكرانيا. أعتقد، وأتمنى، أن يقوم ترمب بوقف التدفق الهائل للمساعدات إلى النظام الأوكراني. إذا حدث ذلك، فإن نصرنا سيصبح قريبا جدا، لأن النظام الأوكراني يعتمد بشكل كامل على المساعدات الغربية الهائلة في مجال التسليح.

* ما رأيك في قرار السيد بايدن الأخير بالسماح باستخدام الصواريخ بعيدة المدى في أوكرانيا؟ هل تعتقد أنه يهدف إلى توريط السيد ترمب عند توليه منصبه؟

- هذا هو بيت القصيد. هذا هو السبب الحقيقي. في الواقع، إن الضربات التي تستهدف الأراضي الروسية لن تؤثر على ميزان القوى الأساسي. قد تسبب الألم والخسائر، لكنها لن تغير العلاقات أو التوازنات الكبرى. الأمر الوحيد الذي قد تستفزه هذه التحركات هو رد نووي من روسيا.

في هذا السياق، وفي ظل هذه الظروف الطارئة، يبدو أن بايدن، بعد أن خسر فرصته في البقاء في منصبه بعد الانتخابات، يسعى لخلق أوضاع صعبة لترمب، مما يجعل إنهاء الحرب مع روسيا أمرا معقدا بالنسبة له. هذه الاستراتيجية تهدف إلى إحراج الإدارة الأميركية الجديدة ووضعها في موقف صعب على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.

آمل أن يكون الرئيس بوتين على قدر كاف من الحكمة لتجنب تجاوز الخطوط الحمراء، لكنني أعتقد أن الرد الروسي هذه المرة قد يكون بالغ الخطورة

مع ذلك، أرى أن بايدن يجب أن يواجه اتهامات بالخيانة العظمى، نظرا لتسببه في تعريض المصالح الأميركية للخطر، ووضع البشرية جمعاء في خطر جسيم بسبب خرفه الواضح وعجزه عن اتخاذ قرارات مسؤولة. أرى أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض قد تمثل فرصة لمحاسبة هذه المجموعة من "دعاة العولمة المجانين" الذين لا يكتفون بالمخاطرة بالمصلحة الوطنية الأميركية، بل يتسببون أيضا في تهديد مستقبل البشرية بأسرها نتيجة لنهجهم الليبرالي المتهور.

آمل أن يكون الرئيس بوتين على قدر كاف من الحكمة لتجنب تجاوز الخطوط الحمراء، لكنني أعتقد أن الرد الروسي هذه المرة قد يكون بالغ الخطورة. أرى أن العواصم الأوروبية الآن تواجه تهديدا حقيقيا. فأي هجوم أوكراني جديد باستخدام أسلحة بعيدة المدى بدعم من حلف شمال الأطلسي ضد الأراضي الروسية قد يقود إلى رد نووي ضد الحلف. هذه الاحتمالية أصبحت الآن واضحة وجدية.

* إذن، هل تعتقد أن السيد بوتين جاد حقا في تنفيذ تهديداته باستخدام الأسلحة النووية تدريجيا؟

- إنه أكثر من جاد. لقد قدم دليلا عمليا على مراجعة روسيا لعقيدتها النووية، وهي رسالة واضحة ومباشرة إلى العواصم الأوروبية. عندما تحدثنا سابقا عن امتلاكنا لسلاح فرط صوتي لا توجد أنظمة دفاع جوي قادرة على التصدي له، لم يصدقونا. لا توجد هكذا أنظمة. وبالتالي، يمكننا استهداف أي موقع في أوروبا، أو داخل أراضي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، بسهولة تامة، دون أي اعتراض، دون أن يكون هناك أي احتمال لاعتراض صواريخنا.

* لكن ألا تعتقدون أن استجابة السيد بوتين العدائية على نشر الغرب لصواريخ بعيدة المدى قد تقوّض أي احتمالات للتوصل إلى اتفاق سلام مع السيد ترمب؟

- من الذي يصعّد الوضع إذن؟ إذا كان الرئيس بايدن قد منح الإذن بمهاجمة الأراضي الروسية باستخدام صواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، أليس هذا تصعيدا بحد ذاته؟ بالطبع، إنه عمل عدواني. إذا كان السيد ترمب قلقا بشأن قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا في الحرب التي أعلنتها بلاده ضدنا، ويعتقد أننا عاجزون عن ذلك، فهذا أمر مؤسف للغاية. ومع ذلك، سنرد بالتأكيد، لأننا لا يمكن أن نتسامح مع مثل هذه الأعمال.

تخيل أن يصعّد الغرب ويرفض في الوقت نفسه حقنا في الرد بالمثل. أيسمح للغرب أن يصعّد، ويُحظر علينا ذلك؟ هذا أمر غير مقبول على الإطلاق. إذا صعّدوا، سنصعّد. وإذا ضربوا، سنضرب.

بوتين أكثر من جاد في استخدام السلاح النووي لقد قدم دليلا عمليا على مراجعة روسيا لعقيدتها النووية، وهي رسالة واضحة ومباشرة إلى العواصم الأوروبية

من ناحية أخرى، إذا كان ردنا ضعيفا، فإننا نخاطر بأن نجد أنفسنا في وضع مشابه لما يعانيه سكان غزة والضفة الغربية، أو "حزب الله" في لبنان. في مثل هذا السيناريو، سيقومون ببساطة بتدميرنا ومحونا من الوجود. إسرائيل، الحليف الرئيس للولايات المتحدة، قضت فعليا على سكان غزة لأنهم لم يتمكنوا من الرد. الفلسطينيون افتقروا إلى الأسلحة اللازمة للدفاع عن أنفسهم، والآن يُمنعون حتى من حق الدفاع عن أنفسهم، مما أدى إلى شبه إبادة للسكان الفلسطينيين. نحن لا نريد أن نكون في هذا الوضع، ولهذا سنرد بمجرد أن نعتبر ذلك ضروريا ومناسبا.

* لكن روسيا هي التي من بدأت هذه الحرب في عام 2022،. يقول منتقدو بوتين إنه لولا ما يُسمّونه غزو بوتين لأوكرانيا، لما وصلنا إلى هذا السيناريو. من بدأ هذه الحرب؟ أليس هو السيد بوتين نفسه؟

- لا، هذه الحرب بدأها السيد بايدن، ودعاة العولمة، والديمقراطيون الذين دعموا حكومة تشبه النازية ودفعوها ضدنا. لقد خططوا لكل شيء بنية استفزازنا. نفذوا الانقلاب عام 2014 (في إشارة إلى الثورة الأوكرانية ضد النظام السابق) وبدأوا في تسليح أوكرانيا ضدنا. هذا كان خطأهم ومسؤوليتهم.

عندما كان ترمب في منصبه، لم يكن مؤيدا لروسيا بشكل خاص- على الإطلاق. كان زعيما صارما، ومع ذلك كان النزاع مجمّدا، واستمرت اتفاقيات مينسك بشكل ما، رغم أنها لم تكن مثالية. مع ترمب، كان هناك إمكانية لإيجاد حل. ترمب كان يمثل فرصة؛ لكن بايدن يمثل الهلاك.

* تُقدّر تكاليف الحرب الآن بأكثر من 100 مليار دولار سنويا، وأنا هنا أقرأ من الإحصاءات الرسمية، أن ميزانية عام 2024 تُظهر زيادة بنسبة 70 في المئة في الإنفاق العسكري. وكلما طال أمد الحرب، أصبحت الأمور أكثر صعوبة. أعني: هل هذه الحرب مستدامة بالنسبة لروسيا؟

- بالتأكيد. إنها بالفعل مفارقة مثيرة للاهتمام أنه رغم معاناتنا من العقوبات وتحول اقتصادنا نحو تطوير القطاع العسكري، فإننا نشهد نموا اقتصاديا ملحوظا. لقد بدأنا ندرك أن اقتصاد الحرب أصبح بالفعل المحرك الأساسي لاقتصادنا العام. ودون هذه العقوبات، ربما كنا سنفقد كثيرا من إمكانياتنا. ساهمت العقوبات في تعزيز اقتصادنا من خلال تقليل اعتمادنا المفرط على الغرب. نحن الآن نوجه تركيزنا نحو الإنتاج المحلي وتطوير القطاع الصناعي، وهو ما أدى إلى تحقيق نمو ملحوظ في الاقتصاد الروسي.

AFP
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ أثناء حضورهم صورة جماعية خلال قمة بريكس في قازان في 23 أكتوبر 2024.

ومع هذه التوجهات، يمكننا الاستمرار في حالة الحرب لعقود مع الحفاظ على نمو اقتصادنا. التضامن داخل مجتمعنا يزداد قوة، وقوتنا النفسية تتعزز باستمرار. وفي المقابل، تتعرض أوكرانيا لمزيد من الدمار، حيث أصبحت تعتمد بشكل كامل على إمدادات الغرب. لم يتبقَ شيء من استقلاليتها أو سيادتها، كما أن قطاعاتها الاقتصادية والمالية قد انهارت تماما.

نحن في مرحلة نمو وصعود. الاقتصاد الروسي يشهد ازدهارا، ليس بسبب الحرب، بل نتيجة العقوبات. في التسعينات، وربما في مراحل لاحقة، بالغنا في تقدير أهمية علاقاتنا الاقتصادية مع الغرب. لكن الآن، نكتشف فرصا جديدة في الجنوب العالمي. نحن نؤسس تحالفات جديدة، خصوصا مع العالم الإسلامي- مع السعودية والإمارات وتركيا وإيران وقطر وإندونيسيا، وباكستان. ولأول مرة، يكتسب العالم الإسلامي أهمية حقيقية بالنسبة لنا. وينطبق الأمر ذاته على الهند والصين وأفريقيا وبالطبع أميركا اللاتينية. نعم، ربما كنا نفقد الغرب، لكننا نعيد اكتشاف العالم.

* تنسيق المقابلة من راميا يحيى

font change


مقالات ذات صلة