عرف معظم الإسرائيليين يحيى السنوار في عدد من اللحظات وعدد من "صور" حياته. وكان بعضها قد حدث في لحظات مفصلية رئيسة في مسار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
أول مرة تعرّف فيها الإسرائيليون إلى السنوار كانت خلال فترة سجنه، خصوصا عبر مقابلة نادرة أجراها مع قناة تلفزيونية إسرائيلية عام 2006. السنوار، الذي كان مسجونا منذ عام 1988، ظهر بشعره الرمادي وتحدث العبرية بطلاقة.
في ذلك الوقت، اتسمت تصريحاته بنبرة تصالحية إلى حد ما، واعترف أن "حماس" تدرك أنها لا تستطيع تدمير إسرائيل، ولذلك فهي مستعدة للهدنة (هدنة طويلة الأمد) وستلتزم بكلمتها إذا وقعت على اتفاق. ومع ذلك، حذر السنوار: "تماما كما جعلنا حياة الإسرائيليين جحيما خلال فترة مقاومة الاحتلال، فسنجعلها جحيما حتى خلال فترة المحادثات [من أجل الهدنة]". أما على انفراد فكان السنوار أكثر صراحة، كما قال بعض محققيه، بل إنه حذر واحدا منهم من أن الأدوار ستنعكس، وأن الطاولة ستنقلب ذات يوم.
في ذلك العام نفسه الذي بثت فيه المقابلة، نفذت "حماس" عملية اختطاف أدت إلى وقوع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في الأسر، وكان أحد مدبري العملية محمد السنوار، شقيق يحيى، وعززت هذه الحادثة الخطف كاستراتيجية مميزة لعائلة السنوار.
انقسم المجتمع الإسرائيلي حول مدى صحة صفقة شاليط، التي شهدت إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين. وكانت بداية صعود نجم السنوار في غزة
بعد أربع سنوات، اكتشف الإسرائيليون السنوار في صورة أخرى. وقتها ظهر السنوار في حافلة متجهة إلى غزة، حاملا علم "حماس" الأخضر، ورأسه ملفوف بعصابة لـ"كتائب القسام" التابعة لـ"حماس"، وقد وضع على كتفيه علم فلسطين. كان قد أفرج عن السنوار، وكانت تلك الصورة بالنسبة للإسرائيليين رمزا للمخاطر التي تكبدتها إسرائيل مقابل إطلاق سراح جلعاد شاليط. وانقسم المجتمع الإسرائيلي حينها حول مدى صحة صفقة شاليط، التي شهدت إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين. وكانت تلك بداية صعود نجم السنوار في غزة. وعلى مدار السنوات التالية، سيصبح القائد لدويلة "حماس" في غزة، إذ سيصعد عام 2017 ليتسلم منصب زعيم القطاع بعد إطلاق سراحه بسنوات.
ثم جاءت الصورة الثالثة، لتظهر السنوار جالسا على كنبة على أنقاض منزله، مبتسما بتحد. التقطت هذه الصورة عام 2021، بعد أيام من نهاية حرب على غزة، استمرت 11 يوما. كانت الرسالة واضحة: ربما حاولت إسرائيل قتله، وربما دُمرت غزة، إلا أن السنوار و"حماس" لا يزالان على قيد الحياة. وبدا هذا "التبجح" لمعظم الإسرائيليين في غير محله. إذ لم يجرؤ السنوار على إظهار رأسه إلا عند انتهاء الحرب. حينها، زعم المسؤولون الإسرائيليون أن "حماس" قد رُدعت وأن الصورة لم تكن أكثر من محاولة إعلامية. ولكن بعد أشهر من ذلك، حسب معلومات استخباراتية عثر عليها بعد الهجوم، سيبدأ السنوار فعليا في التخطيط لواحدة من أسوأ الهجمات التي عانت منها إسرائيل في كل تاريخها على الإطلاق، ذلك الهجوم الذي شهد دخول الآلاف من أعضاء "حماس" إلى إسرائيل، وشهد حرقا للمنازل وقتلا للمدنيين والجنود. فإذا نظرنا اليوم إلى تلك الابتسامة، لبدت للإسرائيليين أكثر شؤما. وبالنسبة لكثير من الإسرائيليين، كان لا بد من محوها. ومذّاك، بات السنوار بعد 7 أكتوبر "رجلا ميتا يمشي".
السنوار، الذي ادعى أن إسرائيل لا يمكن تدميرها، هو نفسه من حاول جاهدا فعل ذلك
وأخيرا تحققت هذه النبوءة، فجاءت الصورة الأخيرة للسنوار لتظهره مهشما ميتا تحت أكوام من الأنقاض في حي تل السلطان برفح. وقد كان السنوار بحلول ذلك الوقت، قد تحول في نظر الإسرائيليين إلى شيطان دأبوا على مطاردته طيلة أشهر.
عبر هذه الصور، بات الإسرائيليون يعرفون السنوار بوصفه تجسيدا لـ"حماس"، تلك الجماعة التي أبدت مرونة في الظاهر، وكان "ردعها" ممكنا كما قيل، ولكن مرونتها تلك انتهت إلى ارتكاب أسوأ مذبحة واجهت إسرائيل على الإطلاق.
والسنوار، الذي ادعى أن إسرائيل لا يمكن تدميرها، هو نفسه من حاول جاهدا فعل ذلك. واليوم، فيما يرى بعض الإسرائيليين في مسار حياة السنوار دليلا على أن السلام لا يمكن أبدا أن يتحقق، يرى آخرون أن حياته قصة للتحذير من التطرف، وأن المستقبل الذي يواجه الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، سيكون قاتما ما لم يتحقق السلام.