موازنة المغرب 2025 طموحة لكنها "خجولة" اجتماعيا

قيمتها 73 مليار دولار بزيادة 13% وتوقعات النمو 4,6%

Shutterstock
Shutterstock
مبنى مجلس النواب المغربي.

موازنة المغرب 2025 طموحة لكنها "خجولة" اجتماعيا

بعد نحو شهر من الدراسات والنقاشات الصاخبة، صادق مجلس النواب المغربي بالغالبية على مشروع القانون المالي 2025، بموازنة قيمتها 721,3 مليار درهم، أي ما يوازي 73 مليار دولار، في مقابل 66 مليار دولار لعام 2024، أي بزيادة 13 في المئة.

ستخضع الموازنة الجديدة لقراءة ثانية بعد إقرارها في مجلس المستشارين، الغرفة الثانية في البرلمان، قبل أن تدخل حيز التنفيذ السنة الجديدة، وهي الموازنة المالية الرابعة للحكومة الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش.

ويُنتظر أن يشهد المغرب انتخابات برلمانية جديدة عام 2026، وهو ما يفسر النقاش الحاد الذي رافق التصديق على الموازنة، حيث امتدحت فرق الموالاة ما حققته الحكومة ذات التوجهات الليبيرالية الاجتماعية، من منجزات ومكاسب اقتصادية وتنموية، وما جاء في مشروع القانون المالي من إجراءات اجتماعية لرفع القدرة الشرائية، وخفض الضرائب، وتحسين أداء الاقتصاد ومناخ الأعمال، وتوسيع حجم الاستثمار العام.

ثمة مخاوف من تأثير التباطؤ الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي المقدر بـ 1,3% عام 2025 على الطلب الخارجي للصناعات المغربية، مثل السيارات وأجزاء الطائرات والالكترونيات والألبسة والمواد الغذائية

في المقابل، اعتبرت فرق المعارضة أن ما تم تحقيقه أقل من التطلعات، ولم تستفد منه كل المناطق والفئات، خصوصا في مجال الدعم الاجتماعي، وفرص العمل، والبنى التحتية، والصحة والتعليم في المناطق القروية.

تأثير الأوضاع الدولية على الاقتصاد المغربي

يرى خبراء اقتصاديون أن النزاعات الجيوسياسية، والصراعات التجارية المرتقبة بين القوى الاقتصادية الكبرى، وتداعيات التغيرات المناخية، سيكون لها تأثير على أداء الاقتصاد المغربي سلبا أو إيجابا. هناك رهان على الرئيس الأميركي القديم الجديد دونالد ترمب لتقليل تأثير هذه التحديات عبر وقف الحروب والنزاعات المختلفة. لذلك حضرت القضايا الجيوسياسية وأزمات العالم من حرب أوكرانيا إلى حروب الشرق الأوسط ومآسيها الإنسانية في نقاشات الموازنة المغربية، وحجم أخطارها على أداء الاقتصاد والتضخم والتجارة والإمدادات وأسعار الطاقة والتدفقات الاستثمارية.

ديانا استيفانيا روبيو

وهناك مخاوف من تأثير التباطؤ الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي المقدر بـ1,3 في المئة عام 2025 على الطلب الخارجي للصناعات المغربية، مثل السيارات وأجزاء الطائرات والالكترونيات والألبسة والمواد الغذائية.

تأجيل الخروج إلى السوق المالية الدولية

نتيجة للأوضاع الدولية غير المستقرة، أرجأ المغرب قرار الخروج إلى السوق المالية الدولية، في انتظار نتائج الجدولة العالمية لأسعار الفائدة الصادرة عن الاحتياطي الفيديرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، وعدد من الأسواق المالية الدولية، لتقييم تأثيرها على حجم المديونية العالمية التي تجاوزت 100 تريليون دولار في نهاية السنة الجارية، أي ما يمثل 93 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي وفق صندوق النقد الدولي، الذي توقع أن تستمر وتيرة الارتفاع إلى عام 2030 على الأقل. وقد تبلغ هذه النسبة 88 في المئة من الناتج الإجمالي في الدول الصاعدة والنامية، وتتجاوز 134 في المئة في الدول المتقدمة. وتأتي جنوب أفريقيا والبرازيل والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة في مصاف الدول المهددة بتفاقم المديونية على المدى المتوسط.

رفعت وكالة التصنيف "ستاندارد أند بورز" الائتمان السيادي المغربي والعملات الأجنبية من BB مستقر إلى BB إيجابي، بعد خروجه من دائرة المنطقة الرمادية

يعتبر المغرب ضمن الدول الصاعدة المتوسطة حجم المديونية، قياسا إلى الناتج الإجمالي الخام، مع قدرة تسديد مرتفعة وأخطار شبه منعدمة أو ضعيفة. وتقدر تكلفة خدمة الدين عام 2025 بنحو 4,5 مليارات دولار، منها 1,2 مليار دولار خدمة الدين الخارجي، ونحو 3,4 مليارات خدمة الدين الداخلي، وفق تقرير الموازنة حول الديون العامة، التي تنقسم بين 70 في المئة مُستحقة للداخل و30 في المئة لمؤسسات مالية خارجية.

تحسن التصنيف السيادي للمغرب

في الأسابيع الأخيرة، رفعت وكالة التصنيف الأميركية "ستاندارد أند بورز" (S&P) الائتمان السيادي المغربي والعملات الأجنبية من BB مستقر إلى BB إيجابي، بعد خروجه من دائرة المنطقة الرمادية من قبل الجمعية المالية الدولية في باريس، إثر تحسن المؤشرات الماكرو إقتصادية. وقالت مصادر في وزارة الاقتصاد والمالية لـ"المجلة" إن "الوضع المالي الحالي هو الأفضل منذ جائحة "كوفيد-19"، وهناك تحسن كبير في المؤشرات الماكرو اقتصادية. وتبدو المالية العامة في انتعاش متواصل ومعها النمو الاقتصادي". لذلك "نعتقد أن الخروج إلى السوق المالية الدولية موضوع وارد، للتعريف بالتطورات المسجلة وفرص الاستثمار المتاحة، لكنه غير مُلحّ في الوقت الراهن". 

وتحتاج الموازنة المقبلة إلى تمويلات إضافية بقيمة 6,5 مليارات دولار، وهي قد تستخدم التمويلات الداخلية لتغطية أي عجز مالي طارئ. ويطمح المغرب إلى استعادة مكانة درجة "إنفست غريد" (Invest Grade) في التصنيف الاستثماري، التي كان فقدها أثناء الجائحة، عندما ارتفع العجز المالي إلى 7 في المئة من الناتج الإجمالي. وقد استخدم الخط الائتماني الوقائي من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار عام 2020 لتمويل العجز والحاجة إلى التمويلات الخارجية.

تراجع العجز وطموح لنمو 4,6%

ويتوقع تراجع العجز من 4 في المئة في 2024، إلى 3.5 في المئة في السنة المقبلة، وصولا إلى 3 في المئة فقط عام 2026 (القاعدة الذهبية)، بما يسمح بخفض المديونية العامة إلى ما دون 67,7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل 70 في المئة حاليا، وفق وثائق الموازنة المتوفرة لدى "المجلة".

تتوقع موازنة 2025 تحقيق نمو نسبته 4,6%، في مقابل 3,3% في 2024، على أساس فرضية إنتاج 7 ملايين طن من الحبوب، وتضخم بـ 2%، وارتفاع الطلب الخارجي على الصادرات 3,2%

تتوقع موازنة 2025 تحقيق نمو بـ4,6 في المئة من الناتج الإجمالي، في مقابل 3,3 في المئة عام 2024، على أساس فرضية إنتاج 7 ملايين طن من الحبوب، وتضخم بـ2 في المئة، وارتفاع الطلب الخارجي على الصادرات 3,2 في المئة، واستقرار أسعار الطاقة، ونمو الاقتصاد غير الزراعي بـ3,7 في المئة، وسعر صرف اليورو في مقابل الدولار 1,08.

يصدّر المغرب سلعه في الغالب مقوّمة بالعملة الأوروبية ويستورد بالعملة الأميركية. وكان مجموع الصادرات بلغ 44 مليار دولار والواردات 52,3 مليار دولار، خلال الشهور الثمانية الأولى من السنة الجارية، وسجل الميزان التجاري عجزا بنحو 9 مليارات دولار.

Shutterstock
منطقة كلميم وادنون، في المغرب.

وحصل المغرب على تحويلات من المغتربين بـ8,3 مليارات دولار، و7,7 مليارات دولار من إيرادات السياحة، و2,6 مليار دولار من التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة خلال الفترة نفسها. وزادت صادرات السيارات 7,6 في المئة، والفوسفات 11,7 في المئة والطائرات 21 في المئة، والاستثمارات الخارجية 55 في المئة. وزار المغرب نحو 12 مليون سائح بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب الماضي.

في المقابل، تراجع الإنتاج الزراعي إلى 3,1 ملايين طن من الحبوب الرئيسة، بتراجع 43 في المئة عن الموسم السابق، مما اضطر المغرب إلى إنفاق 9 مليارات دولار على شراء المواد الغذائية وفي مقدمها القمح. حتى نهاية الربع الثالث من السنة الجارية، بلغت المبادلات التجارية السلعية وحدها (دون الخدمات) 886 مليار درهم أي نحو 90 مليار دولار. وقدر عجز الميزان التجاري بالسلع 22 مليار دولار نتيجة ارتفاع المشتريات الخارجية. وقررت الموازنة الجديدة تعليق استيفاء الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة إلى نهاية العام المقبل على بعض المشتريات الغذائية، والسماح باستيراد اللحوم الحمراء والأرز وزيت الزيتون من الأسواق الدولية لتغطية السوق الاستهلاكية المحلية.

تهدف الموازنة الجديدة لتحقيق تطور نوعي في الاقتصاد وزيادة معدلات النمو عبر: تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، تحفيز ديناميكية الاستثمار وسوق العمل، الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على التوازنات المالية

وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح

وقال الوزير المنتدب المكلف الموازنة، فوزي لقجع، "من شأن هذه الإجراءات خفض أسعار المواد الغذائية وتغطية الحاجات المحلية، بما يسمح بكبح جماح التضخم الذي تراجع من 6 إلى 1,1 في المئة خلال عام 2024، وقد يبلغ 2 في المئة العام المقبل، لكنه تحت السيطرة، وهو أقل بكثير من معدلات التضخم في دول مماثلة".

مجلس النواب المغربي
الوزير المنتدب المكلف الموازنة فوزي لقجع، خلال جسلة التصويت مجلس النواب على مشروع الموازنة، 15 نوفمبر 2024.

وبلغ متوسط معدل التضخم على المستوى العالمي 6,7 في المئة عام 2023، و5,8 في المئة عام 2024، و4,3 في المئة متوقعة عام 2025. وارتفعت أسعار المنتجات الغذائية بوتيرة أسرع من كل المواد الاستهلاكية الأخرى وفق المنظمة العالمية للزراعة في روما، التي أظهرت بياناتها أن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت في أكتوبر/تشرين الأول إلى أعلى مستوى لها في 18 شهرا، بزيادة 2 في المئة شهريا.

تنويع الاقتصاد وتحفيز الاستثمار

وتعتبر الزراعة أحد أهم أعمدة الاقتصاد المغربي على مدى عقود طويلة، ويعمل فيها ثلث العمال في البلاد، وتنتج 80 في المئة من الاكتفاء الذاتي. لكن التغيرات المناخية أضرت بعدد من المحاصيل خلال السنوات الأخيرة حيث تراجع إنتاج الحبوب من 10 مليون طن إلى الثلث، الموسم الماضي. على الرغم من ذلك، لا يزال الميزان التجاري يسجل فائضا في المبادلات الزراعية خصوصا لدى الأسواق الأوروبية، ومنها إسبانيا التي تستورد 24 في المئة من حاجاتها الزراعية من المغرب. 

وقالت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح "إن الموازنة الجديدة تهدف لتحقيق تطور نوعي في الاقتصاد وزيادة معدلات النمو عبر 4 مرجعيات هي تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، وتحفيز ديناميكية الاستثمار وسوق العمل، ومواصلة الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على التوازنات المالية".

وتسمح هذه التوجهات ذات البعد الاستراتيجي بتسريع وتيرة التنمية، وتنويع مصادر الاستثمار من طريق رفع حصة القطاع الخاص الوطني والأجنبي، وتشجيع الشراكة مع القطاع العام في المشاريع ذات التمويلات الكبيرة، يديرها صندوق محمد السادس للاستثمار السيادي. وتهدف الخطة الاستراتيجية إلى تمويل المشاريع الضخمة دون حمل إضافي على الموازنة العامة، وتقليص العجز إلى الحد الأدنى، من خلال توفير هوامش مالية يمكن إنفاقها في بناء مزيد من المستشفيات، والجامعات، والبنى التحية والطرق السريعة والسكك الحديد، والموانئ والمطارات والملاعب الرياضية، والتجهيزات الإستراتيجية.

تندرج هذه الأهداف ضمن رؤية 2030 في النموذج التنموي الجديد، الذي يسعى إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي مطلع العقد المقبل إلى 320 مليار دولار، ورفع دخل الفرد إلى 16 ألف دولار

وتندرج هذه الأهداف ضمن رؤية 2030 في النموذج التنموي الجديد، الذي يسعى إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي مطلع العقد المقبل إلى 320 مليار دولار، ورفع الدخل الفردي إلى 16 ألف دولار.

 استثمارات بـ35 مليار دولار ودعم اجتماعي بـ5 مليارات دولار

رصدت موازنة 2025 استثمارات عامة قيمتها 340 مليار درهم، أي نحو 34,5 مليار دولار، لتنفيذ ورش تنموية على درجة كبيرة من الأهمية، خصوصا التغلب على الصعوبات المائية عبر إطلاق مشاريع ضخمة لتحلية مياه المحيط الأطلسي وبناء السدود، بتكلفة تتجاوز 15 مليار دولار حتى عام 2027. ومن بين أهم المشاريع الاستثمارية مد شبكة القطار الفائق السرعة نحو مراكش، واستكمال بناء ميناء الداخلة في أقصى جنوب المغرب، ومواصلة برامج الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة، وإنفاق 2 مليار دولار على بناء الملاعب الرياضية وتجهيز أخرى قائمة، استعدادا لاحتضان نهائيات كأس العالم 2030.

موازنة خجولة في الجزء الاجتماعي

في الشق الاجتماعي رصدت الموازنة الجديدة تمويلات لدعم الأسعار والقدرة الشرائية بقيمة 3,8 مليارات دولار، ورفع الأجور بـ2 مليار درهم (نحو 200 مليون دولار) في إطار الحوار الاجتماعي. وقالت الحكومة إنها أنفقت 11 مليار دولار للحفاظ على أسعار المواد الأساس بين 2022 و2025، ودعمت القطاع الزراعي بأكثر من 2 مليار دولار، وماء الشرب والكهرباء بـ1,4 مليار دولار.

غيتي
سكان مدينة شفشاون المطلية بالكامل باللون الأزرق، 7 أبريل 2024.

 قد تبدو الأرقام كبيرة وطموحة في منظار واضعي الموازنة، لكنها في رأي المواطن العادي لا تغير كثيرا وضعه الاجتماعي والمعيشي، وهي إشكالية اقتصادية ومالية تواجه العديد من الدول النامية والصاعدة. من جهة، هي تسعى إلى تجاوز مخلفات الماضي وتسديد تكلفة أخطاء سابقة، ومن جهة أخرى بناء مقومات مستقبل أكثر رفاهية ورخاء في عالم سريع التحولات.

font change

مقالات ذات صلة