الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يريد جائزة نوبل للسلام. ومن لا يريدها؟ ترمب كان يريدها في رئاسته الأولى لدوره في إنجاز "الاتفاقات الإبراهيمية" في الشرق الأوسط. هذه المرة يريدها أكثر لدوره في إنجاز السلام العالمي.
ترمب يريد الجائزة ويريدها مبكرا مثل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي نالها في السنة الأولى من ولايته، في أكتوبر/تشرين الأول 2009 لـ"جهوده في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب". هذا محرك أساسي في شغف ترمب بـ"نوبل"، حسب قول السفير الأميركي السابق والخبير في الشؤون الأميركية روبرت فورد في الندوة التي أدارها الزميل كون كوخلين، ونظمتها "المجلة" ومركز "THINK" التابع لـ"المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام" SRMG في نادي "فرونت لاين" للصحافين في لندن، بحضور مجموعة من الزملاء والدبلوماسيين والخبراء في الشؤون الدولية ومنطقة الشرق الأوسط.
ترمب، الذي غرد في عام 2013 داعيا إلى سحب جائزة أوباما، يريد أن يمهد طريقه إلى "أوسلو" بعقد صفقات واتفاقات. إنهاء حروب أوكرانيا وغزة ولبنان وتجنب حروب عسكرية في تايوان وإيران، رغم خططه لاستنزاف طهران بعقوبات و"ضغط أقصى" وبكين بحرب تجارية.
خصلتان تميزان "ترمب الثاني" عن "ترمب الأول": الولاء والعلاقة الشخصية. في إدارته الأولى عيّن مسؤولين كبارا بخبرات طويلة، لكنه سرعان ما طردهم بتغريدة مفاجأة. أما الآن، فإن معظم– ربما جميع– من عيّنهم أو رشّحهم موالون له أو لـ"الترمبية". بعضهم قالوا بوضوح، إنهم سينفذون ما يريده "السيد الرئيس" بصرف النظر عن قناعاتهم. أما زعماء العالم، فإنهم سارعوا إلى فتح علاقة شخصية مع ترمب. وأمام ولاء الفريق، تكون العلاقة مع القائد محورية.
يُضاف إلى هاتين الخصلتين عاملان: الأول أن ترمب فاز هذه المرة بأغلبية الأصوات الشعبية و"المجمع الانتخابي" ويحظى حزبه "الجمهوري" بأغلبية في غرفتي الكونغرس، الشيوخ والنواب. الثاني أن ترمب استعجل في تشكيل فريقه، وهو يريد البدء فورا بصوغ العالم وأميركا كما يحلم، ويحاول أن يتجنب مرور بعض المرشحين في مجلس الشيوخ لتجنب تحفظات اتجاهات في "الجمهوري".
الشرق الأوسط مختلف عما كان لدى توقيع "الاتفاقات الإبراهيمية"، ليس فيما يخص القضية الفلسطينية والحكومة اليمينية الإسرائيلية وخططها وحسب، بل حتى فيما يتعلق بالعلاقات الإقليمية
العالم يتأهب لتجرع الخلاصة الصافية من ترمب وملاحقة مخاض الشهرين المقبلين. كل الأطراف تريد تحسين مواقعها التفاوضية أو خلق وقائع تعقد على ترمب خياراته.
في لبنان، سباق بين المفاوضات والصفعات. نتنياهو يريد إما الحصول على أفضل اتفاق أو توجيه ضربات عسكرية قوية لـ"حزب الله" تضعف موقفه التفاوضي. إيران أيضا تريد استمرار استهداف إسرائيل عبر صواريخ "حزب الله" لتحسين شروطها مع ترمب الذي يريد "الضغط الأقصى" على طهران. أما بايدن، فيسعى إلى أن ينهي ولايته بوقف للنار في لبنان لمدة ستين يوما ليدخل اسمه في التاريخ، ويترك لترمب استكمال عناصر الاتفاق الكبرى.
كذلك الحال في غزة، التي تتجدد الدعوات لاستئناف مفاوضات وقف النار وتبادل الرهائن. لكن عناصر الاتفاق هنا أعقد وأبعد لأنها تمس القضية الفلسطينية. ومن هنا كانت أهمية الجهود العربية– الإسلامية في قمة الرياض بوضع "حل الدولتين" والاعتراف بالدولة الفلسطينية على الأجندة في انتظار ترمب.
الشرق الأوسط مختلف عما كان لدى توقيع "الاتفاقات الإبراهيمية" قبل بضع سنوات، ليس فيما يخص القضية الفلسطينية وتشكيلة الحكومة اليمينية الإسرائيلية وخططها وحسب، بل حتى فيما يتعلق بالعلاقات الإقليمية. والتقارب السعودي– الإيراني برعاية الصين، والتمسك باستمراره ركن أساسي من المشهد الذي سيجده "ترمب الثاني".
التسليح الغربي يعكس مخاوف من الرياح الآتية من البيت الأبيض، ولا شك أن هذه المخاوف كانت في صلب حديث الأمين العام لـ"الناتو" مارك روته مع ترمب قبل يومين
المشهد الدولي ليس أقل تعقيدا. ترمب قال إنه قادر على "إنهاء الحرب" في أوكرانيا بسرعة عبر علاقته الشخصية مع بوتين. وتسربت خطط ينوي ترمب طرحها، تتلخص في الاعتراف بالأمر الواقع، أي سيطرة روسيا على مناطق شرق أوكرانيا وإقامة منطقة عازلة وتعهد أوكرانيا بعدم دخول "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) لعقدين.
زيلينكسي والدول الأوروبية تعرف نيات ترمب، لذلك استعجلت رفع الفيتو عن استخدام الصواريخ الأميركية والأوروبية داخل روسيا، بل إن وزير خارجية فرنسا قال إنه "لا خطوط حمراء" على مستوى تسليح كييف. الهدف ليس هزيمة روسيا، بل تحسين الشروط التفاوضية لكييف عندما يحين موعد التفاوض "الترمبي". فالتسليح الغربي يعكس مخاوف من الرياح الآتية من البيت الأبيض، ولا شك أن هذه المخاوف كانت في صلب حديث الأمين العام لـ"الناتو" مارك روته مع ترمب قبل يومين، والاتصالات التي استعجل قادة أوروبيون للقيام بها مع الرئيس الجديد، حتى قبل أن يتسلم منصبه. الدول الأوروبية والعربية تعرف أن ترمب انعزالي. قد يوافق على ضربات خاطفة أو اغتيالات جريئة وصفقات تجارية وعسكرية كبيرة، لكنه أبعد ما يكون عن التزامات عسكرية وحروب طويلة.
عالم 2021 الذي تركه ترمب يختلف عن عالم 2025 الذي سيقوده ويريد منه جائزة نوبل للسلام، الصراعات الدولية أشد والسلام أبعد
مع الصين يبدو المشهد متداخلا. ترمب وفريقه واضحان في موقفهما العدائي من بكين. هناك نيات بفرض ضرائب تصل إلى 60 في المئة على بضائع صينية لإنعاش الصناعات الأميركية، لكن هذا لا يعني الدخول في مواجهة عسكرية لأجل تايوان. تطبيق هذه المعادلة سيكون صعبا ومتعبا لكثير من الدول العربية والأوروبية التي تعتمد على البضائع الصينية خصوصا تلك التي تضم مكونات عسكرية حساسة أو تملك ميزانا تجاريا كبيرا مع بكين.
في زمن بايدن كانت العلاقة مع الصين ثلاثية: منافسة تجارية، شراكة مناخية، صراع جيوسياسي. وهذا ما عبر عنه بايدن في لقائه الوداعي مع الرئيس شي جيبينغ على هامش "قمة العشرين" في البرازيل. لكن أغلب الظن، أنها ستكون مع ترمب ثنائية أو انفرادية: منافسة مكلفة للبلدين ومتعبة لحلفاء القطبين.
عالم 2021 الذي تركه ترمب يختلف عن عالم 2025 الذي سيقوده ويريد منه جائزة نوبل للسلام... الصراعات الدولية أشد والسلام أبعد.
هل يكون ترمب خامس رئيس أميركي- بعد روزفلت وويلسون وكارتر وأوباما- يحصل على نوبل؟ هل ينالها مبكرا مثل أوباما أم متأخرا مثل كارتر؟ أم يكون مثل الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين الذي رشح للجائزة مرتين، في عام 1945 بدعوى جهوده في إنهاء الحرب العالمية الثانية، ومرة أخرى في عام 1948، لكنه لم ينلها؟