شكّلت إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة الاميركية لحظة قلق للحكومة الإيرانية، وبينما نتذكر التحديات الكبيرة التي واجهت إيران في ظل إدارة ترمب الأولى، فإن عودته إلى الرئاسة تمثل سيناريو أكثر تعقيدا. ولا ريب في أن إيران كانت تود– لو قُيض لها أن تختار بين ترمب وكامالا هاريس في انتخابات 2024– أن تكون هاريس هي الفائزة. ففي ظل إدارة بايدن-هاريس، واجهت طهران ضغوطا اقتصادية وسياسية أقل وطأة مقارنة بفترة حكم ترمب، حيث انتهجت الإدارة سياسات صارمة، لكنها أقل عدوانية من سياسات سلفها. والآن، ومع عودة ترمب إلى منصبه، تستعد إيران لمواجهة استراتيجية "الضغط الأقصى" التي لا هوادة فيها.
قدمت إدارة بايدن-هاريس لطهران فرصة نسبية لالتقاط الأنفاس، ما أتاح لاقتصادها بعض الاستقرار وسمح لها بالحفاظ على نفوذها الإقليمي دون تهديد مباشر بتصعيد المواجهة. بيد أن عودة ترمب إلى المكتب البيضاوي تعني أن على إيران أن تستعد من جديد لمواجهة السياسات العدوانية التي تركت اقتصادها وأجهزتها السياسية تترنح في السابق.
تنبع مخاوف إيران من تجربتها الصعبة خلال ولاية ترمب الأولى (2017-2021) وخشيتها من إعادة تفعيل سياسة الضغط الأقصى وآثارها المدمرة. فقد اتسم نهج ترمب بالتصلب وعدم المساومة أكثر من أي إدارة جمهورية سابقة، حيث استهدف استقرار إيران الاقتصادي والسياسي بشدة غير مسبوقة، بهدف إضعاف نفوذ إيران في المنطقة وتدمير أسسها الاقتصادية، خاصة اعتمادها على عائدات النفط.
اقتصاديا، وجهت حملة "الضغط الأقصى" ضربة قاضية لشريان حياة إيران: عائدات النفط، إذ أدت العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى مستويات تاريخية، ما تسبب في حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي.
ولم يشعر الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني بالحرج من الاعتراف بخطورة الوضع، حين اعترف، في كلمة ألقاها بمدينة كرمان جنوب شرقي البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أن "إيران تشهد واحدة من أصعب سنواتها منذ الثورة الإسلامية عام 1979." وشدد على التأثير المعوق للعقوبات الأميركية على صادرات النفط، قائلا: "من دون المال، لا يمكننا إدارة شؤون الدولة".
أبرزت تصريحات الرئيس الإيراني السابق وقتها عمق الأزمة التي كانت تواجهها إيران. فقد كانت إيران تناضل للحفاظ على تشغيل أسطول ناقلات النفط الخاص بها وسط العقوبات المشددة وتجد صعوبة شاقة في العثور على مشترين لنفطها. وزاد من حدة الأزمة الاقتصادية الانخفاض الحاد في قيمة الريال الإيراني الذي وصل إلى أدنى مستوياته التاريخية خلال فترة رئاسة ترمب، بينما ارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة ما جعل القوة الشرائية للمواطنين الإيرانيين تتآكل، ودفعت معدلات البطالة المتزايدة الملايين إلى حالة من انعدام الأمن المالي.
وكان لتصميم إدارة ترمب على فرض العقوبات تأثير هائل على الصعيد العالمي أيضا. فقد تجنبت الكثير من الدول والشركات الدولية انتهاك هذه العقوبات، خوفا من ردة فعل محتملة من الولايات المتحدة. وأدى الخوف من العواقب الاقتصادية أو الدبلوماسية فعليا إلى عزل طهران بشكل كامل عن جزء كبير من السوق العالمية، فتفاقمت مشاكلها الاقتصادية، ودُفع الاقتصاد الإيراني الهش أصلا إلى حافة الهاوية، ما تسبب بحدوث موجة من الاستياء والاضطرابات واسعة النطاق داخل البلاد.
وعلى الصعيد السياسي عززت سياسة "الضغط الأقصى" من عزلة إيران في الشرق الأوسط، حين تراجعت قدرة طهران على تمويل ودعم شبكتها من الوكلاء الإقليميين التي كانت ضرورية لنفوذها في سوريا والعراق ولبنان واليمن بسبب تعطيل قنوات التمويل، وأُجبرت إيران على تقليص أنشطتها في هذه المناطق الحيوية.
وزادت الإجراءات غير المسبوقة التي اتخذها ترمب من عزلة إيران السياسية، ولا سيما اغتيال الجنرال قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020. لقد سدّد اغتيال سليماني، الذي كان شخصية محورية في المؤسسة العسكرية والسياسية الإيرانية، ضربة كبيرة لطموحات إيران الاستراتيجية في المنطقة وأكد استعداد ترمب لتصعيد التوتر إلى مستويات غير مسبوقة.