حمل انتخاب الرئيس دونالد ترمب اضطرابا سياسيا في الولايات المتحدة الأميركية وكل دول العالم، نظراً الى التخوف من قراراته المتعجلة والمزاجية. أهم ما يثير الاهتمام هي طبيعة القرارات الاقتصادية المتوقعة من الإدارة الأميركية على مدى السنوات الأربع المقبلة، ومدى تأثيرها على معدلات النمو والعلاقات التجارية بين بلدان العالم.
في طبيعة الحال، يهمنا في منطقة الخليج والشرق الأوسط ما سيحدث ويؤثر في اقتصاديات الطاقة والنفط تحديداً. معلوم أن ترمب لا يكن أي تعاطف مع النشطاء المنادين بحماية البيئة ومواجهة الاحتباس الحراري والحد من انبعاثات الكربون. كما أن الإدارة الأميركية الجديدة قد لا تبدو متحمسة لبدائل الطاقة النظيفة، وقد تفسح المجال أمام الشركات النفطية للعمل على استخراج النفط وإنتاجه في المحميات الطبيعية، ومنها محمية ألاسكا التي منعت إدارة الرئيس جو بايدن استغلالها لإنتاج النفط. لذا ربما يكون التوسع في إنتاج النفط الصخري عنواناً للسياسة المقبلة المتعلقة بالنفط والغاز.
زيادة الإنتاج الأميركي
استهل ترمب تعييناته بتكليف الرئيس التنفيذي لشركــــــــة "ليبرتي اينرجي" كريس رايت في منصب وزير الطاقة، وهو المعروف أنه من المتحمسين لإنتاج النفط الصخري والغاز الصخري بطريقة الـ Fracking" أو التكسير الهيدروليكي. تواجه هذه الطريقة في الإنتاج معارضة من المهتمين بسلامة الطبيعة وحماية البيئة من التأثيرات الضارة.
تتوقع منظمة الطاقة الدولية أن يرتفع الإنتاج الأميركي من النفط إلى 13.67 مليون برميل يومياً في السنة المقبلة، وربما يصل إلى مستويات أعلى في ظل سياسات ترمب المحفزة لزيادة الإنتاج
غني عن البيان أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة ارتفع إلى مستويات عالية منذ بداية إنتاج النفط الصخري، وقد شهدت أسعار النفط تراجعاً كبيراً في عام 2014 بعد التوسع في الإنتاج. يعادل إنتاج النفط في الولايات المتحدة حالياً 13 مليون برميل يومياً، في حين تتوقع منظمة الطاقة الدولية "IEA" أن يرتفع الإنتاج الأميركي إلى 13.67 مليون برميل يومياً في السنة المقبلة، وربما يرتفع إلى مستويات أعلى في ظل سياسات ترمب المحفزة لزيادة الإنتاج من النفط والغاز داخل الولايات المتحدة.
خفض أسعار البنزين الأميركي
يؤكد ترمب سعيه الى خفض أسعار البنزين التي تراوح حول 3.07 دولارات للغالون إلى ما دون الدولارين. ستقلل زيادة الإنتاج استيراد النفط، بل قد يزيد الصادرات النفطية والمنتجات الأميركية المكررة. تقدر صادرات النفط الخام من الولايات المتحدة بنحو 4.2 ملايين برميل يومياً. تتوجه الصادرات النفطية الأميركية إلى كوريا الجنوبية وهولندا وكندا والمملكة المتحدة وسنغافورة. أما الصادرات النفطية الشاملة التي تشمل المنتجات المكررة والغاز المسيل فهي تتوجه الى المكسيك وكندا والصين وكوريا الجنوبية وهولندا.
هناك أوضاع ذات صلة باقتصاديات النفط قد تتأثر بسياسات ترمب الاقتصادية. لا تعني قدرة الولايات المتحدة على تصدير النفط الخام والمنتجات المكررة، أنها لا تستورد نفوطاً من الخارج. هناك تراجع في كميات الواردات، ولكنها تبقى مهمة، حيث راوحت حول 8.5 ملايين برميل يومياً، وهي استوردت من كندا والمكسيك والسعودية والعراق وكولومبيا في السنوات الأخيرة.
لا يزال الطلب العالمي على النفط كبيرا ويمثل عنصراً أساسياً في التجارة الدولية، ويقدّر الطلب في 2024 من 102.5 إلى 103 ملايين برميل في اليوم
لا شك أن بلدان "أوبك" وخصوصاً بلدان الخليج المنتجة للنفط، عززت صادراتها النفطية إلى الدول الآسيوية، وأهمها الصين. تقدر صادرات النفط الخليجية بنحو 14.09 مليون برميل في اليوم. لا يزال الطلب العالمي على النفط كبيرا ويمثل النفط عنصراً أساسياً في التجارة الدولية ويقدّر الطلب في هذا العام بين 102.5 و103 ملايين برميل في اليوم. لذلك، فأن صادرات الدول المنتجة للنفط محورية وتمثل الدول الخليج المنتجة للنفط أهمية كبرى في توفير الامدادات للدول المستهلكة، خصوصاً الآسيوية، وأهمها الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
ضرائب ترمب ستزيد معاناة الصين وأوروبا
هناك أوضاع في اقتصادات النفط قد لا تتأثر بسياسات ترمب الاقتصادية الى درجة كبيرة. ستكون تطورات الاقتصاد الصيني في السنة الجارية نتيجة السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الإدارة الصينية، ومنها ارتفاع مستويات الإنتاج الصناعي والتوسع في الأعمال العقارية، بما يزيد على متطلبات الاستهلاك الوطني أو احتياجات الأسواق التصديرية في الولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي.
لكن عندما يقرر ترمب اعتماد فلسفة معادية للعولمة، مؤسسة على مبدأ "أميركا أولاً "، لا تأخذ في الاعتبار التطورات الاقتصادية التي جرت في العالم خلال العقود المنصرمة، وتطبيق ضرائب جمركية مغالية حيث يتحدث عن رفع الرسوم الى ما بين 25 و100 في المئة على السلع المستوردة، فإن تطبيق مثل هذه السياسات سيزيد معاناة الاقتصادين الصيني والأوروبي ويؤدي إلى تراجع الطلب على النفط.
يجب على بلدان الخليج أن تتوخى الحذر من هذه التوجهات وتعمل على تماسك "أوبك" وحلفائها وتبني سياسات إنتاج ملائمة ومتناسقة
ومثل هذه السياسات الحمائية لا تتوافق مع مبادئ التجارة الحرة التي أقرتها منظمة التجارة الدولية WTO" ومواثيقها، ولا بد للدول المنتجة للنفط من أن تتأثر بأوضاع الدول المستهلكة التي تستورد نفوطها وغازها.
صراع انتاج النفط الأحفوري وحماية البيئة
من جانب آخر، هناك من يرى أن سياسات ترمب ستحفز على إنتاج الوقود الإحفوري وعدم الاهتمام بالمواثيق والاتفاقات لخفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف مؤتمر باريس 2015، الذي انسحبت من اتفاقاته إدارة ترمب الأولى، كما أن الرئيس الجديد قد يوقف سياسات المناخ التي اعتمدتها إدارة بايدن، بما يدفع إلى ارتقاء دور الصين في التحول إلى الطاقات النظيفة. لكن الدول المنتجة للنفط أخذت على عاتقها التزام الاتفاقات الدولية حول المناخ التي أبرمت خلال السنوات المنصرمة.
هل ستحقق كل هذه السياسات الاستقرار في أسعار النفط؟ لا تبدو الصورة واضحة تماما بعد، حيث إن زيادة الامدادات تعني المزيد من الضغط على الأسعار، ولذلك فإن بلدان الخليج يجب أن تتوخى الحذر من هذه التوجهات وتعمل على تماسك "أوبك" وحلفائها وتبني سياسات إنتاج ملائمة ومتناسقة.