بعد غياب عام، عاد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الخامسة والأربعين برئاسة حسين فهمي وإدارة عصام زكريا، مشحونا بالفعاليات، من تكريمات لشخصيات سينمائية ومحاضرات عن الفن السابع وعروض استعادية لأفلام قديمة رُممت، عروض حظيت بإقبال جماهيري كبير طوال أيام المهرجان، إضافة إلى مجموعة من الأفلام المهمة دوليا وعربيا. كانت الحرب على غزة، السبب في إلغاء دورة المهرجان العام الماضي، أمّا هذا العام، وبما أن الحرب لم تتوقف، بل توسعت للأسف، فقد بدا ضروريا أن يقول صنّاع السينما العرب أيضا كلمتهم، وأن يدخلوا في حوارات مفتوحة مع زملائهم الآخرين من صنّاع الأفلام، ومع الجمهور المتعطش للمشاهدة والتفاعل مع ما يراه.
اتسمت المشاركات العربية، التي توزعت على المسابقات المختلفة للمهرجان هذا العام، بالتنوع في الموضوعات والأساليب، وفي طبيعة الحال بتفاوت المستويات الفنية، لكن الأكيد أن السينما الفلسطينية حجزت لنفسها مكانا على خريطة العرض وكذلك الجوائز، وينطبق الأمر نفسه على السينما اللبنانية. حتى المصرية التي يعاني إنتاجها التجاري من الركاكة في الأعوام الأخيرة، قدمت فيلمين حظيا بالإقبال الجماهيري، والاستحسان النقدي والتتويج بالجوائز.
علاوة على المشاركة السعودية، بأفلام بين الطويل والقصير. في السطور التالية، استشكاف لبعض أبرز الأفلام العربية التي عُرضت هذا العام، والجوائز التي حصدتها.
"أرزة"... في التحايل على قسوة الحياة في لبنان
من إخراج ميرا شعيب، وسيناريو فيصل شعيب ولؤي خريس، يأتي "أرزة"، الفيلم الذي لا يناسبه وصف أكثر من حيوية الأحداث، وتطورها المنطقي السلس، وحيوية الحبكة والبناء المحكم للسيناريو. الفيلم إنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية. تؤدي دور أرزة، ديامان أبو عبود، هي ربة منزل مجتهدة، تصنع بيديها الماهرتين الفطائر كل يوم وتبيعها بالتوصيل لمن يطلبها بالتلفون. عمل يدر ربحا بسيطا وسط ظرف اقتصادي غير هيّن في بيروت، لكن أرزة المسؤولة عن ابنها الشاب كِنان (بلال الحموي)، وأختها نصف العاقلة ليلى (بيتي توتل)، تود التوسع في هذا العمل، لأن تلك هي تقريبا الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة مع ارتفاع الأسعار، والشح في السلع.
تستميل حكاية أرزة المتفرج بسهولة، فهي في النهاية عن امرأة مكافحة، ومعيلة لا تكفّ عن التحايل على الحياة، ولا تعدم خفة الظل. أي أن أرزة تمثل في النهاية، العديد من النساء العربيات اللواتي يعشن الظروف نفسها، يقاسين منها في صمت. ولعلّ أمومة أرزة هي حاميتها من الجنون، ولولاها لتحولت إلى نموذج ليلى، شقيقتها، جرّاء وحدتها وأعبائها وتخلي المجتمع عنها.