المادّة "السحرية" التي تعيد الشباب الضائع وتجعل الفرد في صورة مثالية ربما لم تكن متحقّقة أساسا في جسد شيخوخته الحالي، ليست ما يحقن في الجسد، كما نرى في الفيلم الذي يحمل هذا العنوان الدال، "المادة"، بل إنها مثلما نكتشف مع تقدّم أحداث الفيلم، مادة تحقن في الرأس، الرأس الفرديّ والجماعي (الاجتماعي) معا. هذا الرأس الذي تضخّ إليه على مدار الساعة أفكار لا تني تتوقف عن "الصحة" و"السعادة" و"الجاذبية" و"الشباب" و"الجسد المثير" و"القبول الاجتماعي" و"الحب"، هو ما تستهدفه حقا المخرجة والكاتبة كورالي فارغيت في فيلمها هذا الذي استحقت عنه جائزة أفضل سيناريو في الدورة الأخيرة من "كانّ السينمائي".
وعلى عكس فيلم الكندي ديفيد كروننبرغ، "الذبابة"، حيث يكون التحول فيزيائيا عضويا مدفوعا بالشره إلى السبق العلمي، فإننا في "المادة" لا نعرف الغاية من وراء مشروع "المادة"، ولا يهتم الفيلم في سرد خلفية هذا الاكتشاف، فهو موجود فحسب، ضمن مجتمع سرّي، يحمل المنتمين إليه، من تُمارَس عليهم التجربة، أرقاماً فحسب.
ما يهمّ السرد هنا هو ما يحدث بعد ذلك، انطلاقا من فرضية "ماذا لو؟"، دون الغوص في احتمالية أو لا احتمالية هذا الاختراع، فهو يقوم على "وهم التصديق" المبدئيّ، أو الأساس الذي ينطلق منه الفيلم: ماذا لو كان في مقدورك أن تنقسم شخصين، شخصا هو أنت على حالك اليوم، وشخصا آخر هو أنت في نسختك الشابة؟ كيف يمكن أن تتقاسما العيش معا؟ وهل يمكنكما التصرّف فعلا كشخص واحد، لكي تنجوا من التجربة، أم ستقودكما الأنانية المفرطة إلى العمى ذاته الذي يقود البشر جميعا إلى فنائهم؟
مجاز فلسفي
هكذا تصبح "المادة" استعارة أو مجازا فلسفيا يتكشّف شيئا فشيئا مع تجلّي أبعاد التجربة، لينتقل معنى الكلمة Substance من المعنى المشار إليه، "المادة"، إلى المرادف الآخر الأقرب الى منطق السرد، وهو الجوهر، فالفيلم يتمحور تحديدا حول جوهر الوجود الإنساني، وبدقة أكبر جوهر التمثّل النسوي في عالم اليوم. الممثلة الآفل نجمها إليزابيث سباركل (ديمي مور في أحد أفضل أدوارها)، والتي استحقت ذات يوم من أيام مجدها السابق نجمة على رصيف المشاهير، باتت مجرد أثر عن تلك الذات القديمة اللامعة.