بعد فترة كان دورها في سوريا محدودا بشكل ملحوظ، تعيد روسيا بسط نفوذها هناك، حيث تعيد تموضعها الاستراتيجي وسط تصاعد التوترات الإقليمية. وقد وسعت موسكو بشكل لافت للنظر وجودها العسكري في جنوب سوريا، وخاصة بالقرب من خطوط فض الاشتباك مع إسرائيل، ما يشير إلى طموح متجدد للعب دور محوري في شؤون الشرق الأوسط. ولم يمر هذا التحول بشكل عابر، حيث تفيد تقارير بأن مسؤولين إسرائيليين التقوا بنظرائهم الروس في موسكو، لبحث إمكانية الوساطة الروسية لمعالجة المخاوف الأمنية الملحة لإسرائيل على حدودها الشمالية.
وبالنسبة لتل أبيب، يشكل الوجود الروسي في سوريا فرصة للحد من تدفق الأسلحة إلى "حزب الله" وكبح عودة ظهوره بعد الحرب. وعلى الرغم من أن روسيا أبدت ترددا في البداية في لعب هذا الدور بشكل كامل، فإنها ألمحت إلى استعدادها للانخراط، ولا سيما مع الإدارة الأميركية القادمة بقيادة دونالد ترمب، للتفاوض على ترتيب يهدف إلى تخفيف التوترات الإقليمية. ويبقى السؤال الحاسم: ما نوع الصفقة التي تسعى روسيا لتحقيقها، وإلى أي مدى يمكنها فعلياً ممارسة نفوذها في منطقة تتشابك فيها مصالحها الاستراتيجية مع شبكة معقدة من التحالفات المتنافسة والمتناقضة في كثير من الأحيان؟
الصمت المحسوب
على مدى أشهر، بدت موسكو مكتفية بالجلوس على مقاعد الانتظار لمتابعة الأحداث من الهامش، حتى مع تصاعد التوترات الإقليمية. وفيما سارعت العواصم من الدوحة إلى واشنطن لمنع نشوب حرب أوسع نطاقاً من خلال الانخراط الدبلوماسي المكثف، في أعقاب هجوم "حماس" على إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، حافظت روسيا على صمت بليغ، في تناقض صارخ مع تلك المواقف. ووفقا لبعض المصادر، لم يكن هذا النهج الهادئ من قبيل المصادفة بل كان قرارا محسوبا، حيث بدت موسكو وكأنها تحبذ نوعا من الفوضى المتصاعدة التي تخدم في النهاية مصالحها الاستراتيجية، ما دامت لا تشكل تهديدا مباشرا لمصالحها أو نفوذها.