لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان والحكومة ويحملها مسؤولية الفساد والفشل في الاستجابة لمتطلبات حياته اليومية الأساسية. أما الطبقة الحاكمة فتعترف بوجود أخطاء في الدستور وفي العملية السياسية وفي طبيعة النظام البرلماني وضعف الأداء السياسي، لكنها تقف عند هذا الحد من التشخيص ولا تريد أن تتحمل مسؤوليتها في إنتاج هذه المنظومة الحاكمة.
الفساد، مثلا. لا يوجد عراقي سواء كان مواطنا أو سياسيا، ينكر وجوده، ولا يمكن أن تتجاهل آثاره على جميع مرافق الحياة العامة ومؤسسات الدولة. ولكن هذا الاعتراف لم يعمل على محاربته ولا يقلل من تغوله حتى أصبح ظاهرة عامة، نتحدث عنها وكأنها متلازمة للواقع السياسي وليس شيئا طارئا على المجتمع والسياسة!
تخيل أنك تعيش في "دولة" لديها مؤسسة وظيفتها محاربة الفساد، واسمها "هيئة النزاهة". يخرج تسريب صوتي يُنسب لرئيس هذه الهيئة يتحدث في صفقة فساد "واعتراف بتلقيه الرشوة"! وعندما يتم استدعاؤه للمثول أمام القضاء، يخرج في مؤتمر صحافي صارخا: "نحن مستضعفون في هيئة النزاهة". ولحد هذه التفاصيل، يمكن عد الموضوع طبيعيا وتحدث مثل هكذا خروقات في أكثر البلدان التزاما بالقانون. لكن، عندما يتم إعفاؤه من منصبه كرئيس هيئة نزاهة وتعيينه مستشارا في وزارة العدل، هنا نكون أمام ظاهرة تكريم المتهمين بالفساد بدلا من محاسبتهم!
وتتوالى فضائح الفساد عبر التسريبات الصوتية، والتي يبدو أنها أصبحت تستهدف من يرتبط برئيس مجلس الوزراء. وأصبحت أقوى أسلحة خصومه في حرب التسقيط السياسي، فيعد رئيس هيئة النزاهة يأتي تسريب صوتي لرئيس الهيئة العامة للضرائب، ويتضمن فضيحة فساد كبرى تتعلق بالتلاعب بأموال الضرائب!