"الحرب التجارية العالمية" على الأبواب... بطلاها الصين والولايات المتحدة

الصراع سيحتدم على إنتاج السيارات الكهربائية وأوروبا على خط المواجهة

ناش ويراسيكيرا
ناش ويراسيكيرا

"الحرب التجارية العالمية" على الأبواب... بطلاها الصين والولايات المتحدة

يرى خبراء اقتصاديون أن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض خبر سيئ للصين التي تسيطر على أسواق صناعة السيارات، وتُتهَم بضخ دعم حكومي بنحو 231 مليار دولار منذ عام 2009 لغزو الأسواق العالمية بسلع تنافسية، في مقدمها العربات الكهربائية، وفق المركز الاستراتيجي للدراسات الدولية (CISIS).

وتعتزم الإدارة الأميركية الجديدة رفع الرسوم والتعريفات الجمركية على مجموع الواردات بنسبة 10 في المئة، على أن تبلغ بين 50 و 60 في المئة على المنتجات المصنعة في الصين، مثل الرقائق والشرائح الالكترونية، وربما تصل إلى 100 في المئة على بعض أنواع السيارات الكهربائية، مما يوحي بحرب تجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

تشعر أميركا أنها فقدت الريادة العالمية في صناعات استهلاكية عدة، وتحولت من بلد مصدر إلى بلد مستورد لصناعات كانت أنشأتها قبل قرن من الزمن. ويعتبر ترمب أن "هذه السلع لا تستحق دعما من المالية الفيديرالية، ويجب رفع الرسوم على استيرادها للحد من استهلاكها داخل الولايات المتحدة". وهو يشكك في مزاياها البيئية ويتهمها بـ“انتهاج سياسة الإغراق وتمهيد الطريق للهيمنة على اقتصاد العالم، وتدمير المصنّعين الأميركيين، وإخراج العمال من وظائفهم".

ستكون أول إجراءات إلغاء الدعم الفيديرالي عن شراء السيارات الكهربائية الذي يصل إلى 7,500 دولار عن كل سيارة جديدة

وستكون أول إجراءات إلغاء الدعم الفيديرالي عن شراء السيارات الكهربائية الذي يصل إلى 7,500 دولار عن كل سيارة جديدة، الذي سبق أن أقرته إدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطية لتشجيع استخدام السيارات غير الحرارية بعد عودة واشنطن إلى اتفاقية باريس حول التغيرات المناخية، والتزامها خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

في هذه المرحلة سيكون صعبا على بكين خوض نزاع تجاري جديد مع واشنطن بعد أن رفعت دعوى قضائية إلى منظمة التجارة العالمية في جنيف، ضد قرار الاتحاد الأوروبي فرض رسوم إضافية نهاية أكتوبر/تشرين الأول، على واردات السيارات الكهربائية المصنعة في الصين.

أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يصافح الرئيس الصيني شي جينغ بينغ خلال زيارته الصين في فترة ولايته الأولى، بكين، 9 نوفمبر 2017.

وكان الاتحاد الأوروبي، على الرغم من خلافاته في شأن قضية الرسوم الجمركية الجديدة، اعتبر "أن الصناعات الصينية تهدد مصير 14 مليون عامل في قطاع تصنيع السيارات الأوروبية". وبدأت بوادر الضعف والهوان في ألمانيا التي تزامن سقوط الحكومة الائتلافية فيها مع فوز الرئيس الأميركي، الذي لم يكن على ود مع المستشارة السابقة أنجيلا ميركل خلال ولايته السابقة.

الاحتكام إلى منظمة التجارة العالمية

وتواجه برلين، وهي الدولة الأولى في إنتاج السيارات في أوروبا والثانية عالميا، ضعفا في مؤشِّرات النمو الاقتصادي، وارتفاعا في تكاليف الإنتاج، وأزمة في صناعة السيارات، خصوصا الكهربائية. وخلافا لرئيس وزراء هنغاريا، فيكتور أوربان، الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حاليا، لم تسجل حماسة أوروبية لعودة ترمب الذي قد يفرض مساهمات بقيمة 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لموازنة حلف شمال الأطلسي. وهناك احتمال تقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حساب أوكرانيا، التي ستحتاج مئات مليارات الدولارات لإعادة الإعمار، في قارة تعاني صعوبات.

الولايات المتحدة تتكبد خسائر في تجارتها الخارجية مع دول عدة، في مقدمها الصين وأوروبا، مما يهدد بإغلاق المصانع وتسريح العمال وارتفاع معدلات الفقر في المجتمع الأميركي

دونالد ترمب، الرئيس الأميركي المنتخب

يقول ترمب، العائد إلى البيت الأبيض بدعم شعبي غير مسبوق، إن بلاده تتكبد خسائر في تجارتها الخارجية مع دول عدة، في مقدمها الصين والاتحاد الأوروبي، لا تحترم قواعد التجارة العالمية والمنافسة الشريفة مما "يعرض الصناعات المحلية إلى مزيد من الصدمات، وإغلاق المصانع وتسريح العمال وارتفاع معدلات الفقر في المجتمع الأميركي".

كما أنه يتهم بكين بدعم الصناعات التصديرية مما يجعلها أكثر تنافسية في الأسواق الدولية، في تناقض، برأيه، مع اللوائح التنظيمية لمنظمة التجارة العالمية، التي انضمت إليها الصين عام 2001.

منظمة التجارة العالمية، التي تأسست عام 1995 في جنيف عقب نجاح جولة الأوروغواي في مراكش، ستكون مدعوة في المرحلة المقبلة للفصل بين خلافات المصنّعين الكبار. فقد تؤدي حروبهم التجارية إلى رفع الأسعار وعودة التضخم وكبح النمو وزيادة معدلات البطالة. وهو ما نبه إليه البنك الدولي في الاجتماعات السنوية الأخيرة في واشنطن، محذرا من عكس مسار العولمة والعودة إلى سياسة الحمائية، التي قد تؤثر في التجارة والاقتصاد العالميين على حد سواء.

خسائر العولمة

وتعتقد المؤسسات المالية الدولية أن تصاعد الرسوم الجمركية يتعارض مع أهداف منظمة التجارة العالمية، لان الحمائية المفرطة تؤدي إلى العزلة الدولية وضعف حركة المبادلات التجارية، وهو أمر مثير للقلق.

سجل الميزان التجاري الصيني فائضا بلغ نحو 823 مليار دولار عام 2023، في المقابل سجلت الولايات المتحدة عجزا تجاريا بلغ 951 مليار دولار عام 2022

بلغة الأرقام، سجل الميزان التجاري الصيني فائضا بلغ نحو 823 مليار دولار عام 2023. وقُدر الفائض الصافي باحتساب تجارة الخدمات 386 مليار دولار، وكان الفائض التجاري الصافي بلغ ذروته خلال زمن "كوفيد-19" عندما تجاوز 577 مليار دولار عام 2021. وتعتبر الصين القوة التجارية الأولى في العالم بما يناهز 3,7 تريليون دولار من الصادرات.

العجز التجاري الأميركي

في المقابل، سجلت الولايات المتحدة عجزا تجاريا بلغ 841 مليار دولار عام 2021 ثم ارتفع إلى 951 مليار دولار عام 2022، وانخفض إلى 773 مليار دولار عام 2023. وقد تفاقم العجز التجاري الأميركي منذ عام 2009، وكان يقدر بـ 369 مليار دولار عام 2000، وفق مصادر "ستاتيسا".

غيتي
سيارات "GMC Hummer" الكهربائية، في خط إنتاج في مصنع "ZERO" لتجميع السيارات الكهربائية التابع لشركة "جنرال موتورز". في ديترويت، 17 نوفمبر 2021.

ومع الصين سجلت الولايات المتحدة عجزا بقيمة 280 مليار دولار في 2023، انحفاضا من 382 مليار دولار في 2022. ويعاني الاقتصاد الأميركي منذ العام 2000 من ارتفاع متواصل في عجز ميزان المدفوعات الخارجية، بسبب خلل التوازن بين الصادرات والواردات، وفاق العجز التريليون دولار عام 2022، قبل أن ينخفض إلى نحو 924 مليار دولار عام 2023.

 سيارات أميركية صنعت في الصين

وتعتبر الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر للصين، وبلغت قيمة المبادلات السلعية نحو 664,5 مليار دولار بين 2023-2024 وفق "إكزيم سُليوشنز" (Exim solutions). وارتفعت التجارة البينية إلى 758 مليار دولار باحتساب الخدمات، وزادت بشكل مضطرد طيلة العشرين سنة الأخيرة، ومعها زاد ارتفاع العجز التجاري الأميركي، على الرغم من كل محاولات استخدام آليات الرسوم الجمركية منذ عام 2018، وفق بيانات "ستاتيستا".  

هم لا يشترون سياراتنا للنقص في المال عندهم، لكنهم يصدرون لنا مركبات تدعمها حكوماتهم، إنها مفارقة غريبة

دونالد ترمب، الرئيس الأميركي المنتخب

خلال حملته الانتخابية، ردد ترمب مقولته "إنهم لا يشترون سياراتنا للنقص في المال عندهم، لكنهم يصدرون لنا مركبات تدعمها حكوماتهم، إنها مفارقة غريبة". وتنظر الصين إلى الولايات المتحدة بكونها سوقا استهلاكية هائلة ذات قدرة إنفاقية عالية. إلا أن هذه الصورة النمطية لم تعد صحيحة، بعد أن اتسعت الفوارق الاجتماعية، وزاد عدد الفقراء بسبب التضخم والأسعار التي أنهكت الطبقة الوسطى في المجتمع الأميركي. 

وكانت هذه القضايا محل استغلال من دونالد ترمب، الذي اقنع عمال ديترويت في ولاية ميشيغان، مهد صناعة السيارات الأميركية، بأن الحكومة الديمقراطية التي شجعت هجرة الصناعة نحو الخارج وفتحت باب الاستيراد، مسؤولة عما لحق بالولاية التي تسكنها جالية عربية ومسلمة.

صعوبات السيارات الكهربائية

قُدرت سوق مبيعات السيارات الأميركية العام المنصرم بنحو 15,5 مليون سيارة، بزيادة 13 في المئة عن العام السابق. وعلى الرغم من أن العلامات الصينية نادرة في السوق الأميركية، إلا أن الأميركيين اشتروا ما مجموعه 104 آلاف سيارة مصنعة في الصين عام 2023، وبلغ العدد 28 ألفا خلال الربع الأول من عام 2024. وأنشأ العديد من العلامات الأميركية مصانع لها في الصين خلال السنوات المنصرمة على غرار هواتف "آي فون" ووسائل التواصل والحواسيب ولوازم المكتبيات.

وتبيع شركات "بويك" و"لينكولن" و"تيسلا" وغيرها، سيارات مصنوعة في الصين. ويفسر المحللون هذا الوضع كون "الصين تنتج أكثر مما تستوعب سوقها المحلية، بينما لم تعد الولايات المتحدة تنتج ما يكفي من الصناعات المحلية، لأنها وطّنت بعض صناعتها خارج البلاد في دول شرق آسيا والاتحاد الأوروبي والمكسيك لغرض خفض التكلفة".

يبدو أن سيارة "تيسلا" الكهربائية من نوع 3 وY المصنعة في شنغهاي مهددة برفع الرسوم عليها، لأنها تصنع في الصين

وتبدو سيارة "تيسلا" الكهربائية من نوع 3 وY المصنعة في شنغهاي مهددة برفع الرسوم عليها في المرحلة المقبلة، لأنها تُصنَّع في الصين. وهذا مثار جدال، كيف لترمب أن يعرقل مصالح حليفه إيلون ماسك، صاحب "تيسلا"، الذي دعمه خلال حملته الانتخابية بـ120 مليون دولار. وكان ماسك قد باع 440 ألف سيارة في الربع الثالث من عام 2024، بزيادة 15 في المئة، خصوصا داخل الأسواق الأوروبية. وتمثل السيارات الكهربائية حاليا نحو 8,7 في المئة من إجمالي السوق الأميركية، وهي تقدر بـ40 مليون مركبة عبر العالم.

 خفض الإنتاج وحرب تجارية

أعلنت شركة "جنرال موتورز"، ثالث أكبر مصنع للسيارات في العالم، خفض إنتاجها من السيارات الكهربائية إلى نحو 250 ألف عربة السنة الجارية. كذلك الأمر بالنسبة الى شركة "فورد" التي تعمد إلى تأخير أو إلغاء إنتاج موديلات جديدة من السيارات الكهربائية لتجنب الإنفاق بكثافة على السيارات التي لا يشتريها المستهلكون بالسرعة المتوقعة.

وتمكنت"تيسلا" من تسويق أكثر من 72 ألف سيارة كهربائية في الصين خلال الأشهر الأولى من العام، لكنها تراهن على الأسواق الأوروبية، وتتخوف من حرب تجارية ثلاثية تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.

أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يتحدث عن سيارة "لوردستاون موترز" الكهربائية، في البيت الأبيض، واشنطن 28 سبتمبر 2020.

وسبق لإدارة الرئيس جو بادين أن رفعت الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين ومنتجات أخرى، منها الألمنيوم والفولاذ والطاقات الشمسية بقيمة 18 مليار دولار. وطبقا للمادة 301 من قانون التجارة الأميركي، يسمح للحكومة الفيديرالية مراجعة أي ممارسات تجارية غير عادلة، أو ضارة بمصالح الولايات المتحدة. لكن ذلك لم يمنع زيادة الإقبال على السيارات الكهربائية التي ارتفع الطلب عليها من 1 في المئة عام 2019 إلى 8 في المئة السنة الجارية في الأسواق الأميركية. وزاد عدد مصنعي السيارات الكهربائية عبر العالم، مع احتكار صيني يتجاوز نصف الإنتاج.

تعتقد واشنطن أنه كلما زاد الفائض التجاري للصين كبرت شهيتها للاستحواذ الاقتصادي وتغيير نمط العيش والتفكير في العالم

تراهن إدارة ترمب المقبلة على امتصاص جزء من العجز التجاري مع الصين، عبر رفع التعريفة الجمركية من جهة، وثني الأميركيين عن شراء ما "صُنع في الصين"، ومنح إغراءات تحفيزية وضريبية لعودة الشركات الأميركية لخلق فرص عمل محلية وزيادة الإنتاج وكسر الهيمنة الصينية.

أهداف تقليص العجز

لكن الهدف الاستراتجي يبقى محاولة تجفيف الفائض المالي الصيني، الذي تستخدمه بكين لتمويل البنى التحتية في عدد من دول العالم عبر خطة الحزام والطريق، لتسيطر بها على دول نامية وصاعدة تمتد من جنوب شرق آسيا إلى أدغال أفريقيا.

ويمنحها هذا الوضع تفوقا في امتلاك المواد الأولية والمعادن الدقيقة، المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية وصناعات الفضاء والاتصالات. وتعتقد واشنطن أنه كلما زاد الفائض التجاري للصين كبرت شهيتها للاستحواذ الاقتصادي وتغيير نمط العيش والتفكير في العالم.

font change

مقالات ذات صلة