لقاء ماسك- إيرواني

الجمهوريون والإصلاحيون تاريخ من الخدمات والمصالح

لقاء ماسك- إيرواني

خبر لقاء مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب رجل الأعمال ذائع الصيت إيلون ماسك مع السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني بات مؤكدا، كما بات مؤكدا أن اللقاء عُقد بناء على طلب الإيرانيين، وتضمن حديثا مطولا عن البرنامج النووي الإيراني، وأحوال الجماعات الوكيلة لإيران في منطقة الشرق الأوسط، وكيفية تخفيف التوتر وتحسين العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.

جرى اللقاء في مقر إقامة إيرواني في نيويورك، استجابة لطلبه، و"ليس هناك ما يشير إلى أن دونالد ترمب كان على علم به"، كما ذكرت وسائل إعلام. وحتى الآن، لم يرد مكتب ترمب على التقارير الصحافية التي سربت خبر اللقاء، وقال إنه لن يعلق على الاجتماعات الخاصة، كذلك لم يصدر أي توضيح عن ممثلية إيران في الأمم المتحدة حوله.

ورغم أن اللقاء سري وسريع ولا يمكن اعتباره خطوة رسمية من قبل إيران والولايات المتحدة، لكنه يمثل بلا شك نقطة يُبنى عليها في مسار العلاقة الملتبسة بين البلدين، مع بداية العهد الأميركي الجديد وفي رحاب العهد الإيراني الإصلاحي.

وبحسب المعلومات القليلة المسربة، تحدثت تقارير إعلامية عن مكالمات ومراسلات خلف الكواليس جرت قبل اللقاء، بين شخصيات دبلوماسية إيرانية وأميركية، تم خلالها تبادل بعض الرسائل الإيجابية، رغم أن التصريحات الرسمية العلنية كانت سلبية ومناقضة لما يجري في السر.

وقد حرص ترمب خلال حملته الانتخابية، على تكرار وعده بتنفيذ عقوبات جديدة ضد إيران، وتمسك برفض وجود إيران نووية، أما إيران فأعادت خلال هذه الفترة، متابعة قضية اغتيال قاسم سليماني، من خلال الوسائل القانونية والقضائية والاحتكام الكامل لقواعد القانون الدولي، باعتبار ترمب المتهم الأول بقتله.

لكن هذه المواقف كلها، لم تمنع المسؤولين الإيرانيين من البحث عن طريقة للدخول إلى دائرة ترمب، ولم تؤثر في الوقت نفسه، على ميل الإدارة الأميركية الجديدة إلى النظر بعين المصلحة إلى إيران، وبناء على هذه الأجواء تم اللقاء السري.

كانت إيران بعدما بدأت تلوح بشائر فوز ترمب بالرئاسة، قد أطلقت إشارات تشي بأنها مستعدة لخفض التوتر مع الإدارة الأميركية الجديدة، وبدأت تشيع أن نظرتها تجاه تطوير العلاقات مع الدول الغربية لن تبقى منغلقة ومحدودة. وأعاد وزير خارجيتها عباس عراقجي تأكيد النقاط الاستراتيجية الثلاث: أن خيار إيران هو التفاوض والدبلوماسية وليس المواجهة، وأن بلاده منفتحة على كل الحلول المقترحة بشأن المشاكل مع الغرب (الولايات المتحدة) ومستعدة لاستئناف المفاوضات بشأن تسوية القضايا النووية المتبقية.

في المقابل، ظهر وكأن الإدارة الأميركية الجديدة، لمست أن تغييرا حقيقيا قد طرأ على سياسة إيران الخارجية بقيادة عباس عراقجي، فتلقفت الإشارات وتفاعلت إيجابيا معها، ودفعت ماسك لمعاينتها.

لم تتحول السياسة الخارجية الإيرانية من التصلب إلى المرونة، بين ليلة وضحاها، وعودة الإصلاحيين مجددا إلى السلطة هو بداية التحول، فالإيراني الإصلاحي بطبعه، يعتمد على سياسة اقتناص الفرص السانحة، ويعتبرها أمرا أساسيا في نسج العلاقات الدبلوماسية أو استئنافها. أما إهمالها في عرفه، فلا يؤدي إلا إلى فقدان الإمكانيات المتاحة لحماية المصالح الوطنية والوجودية، وترمب يشكل حاليا فرصة الإصلاحيين الكبرى، انطلاقا من كونه رجل أعمال؛ رغم أنها قراءة للرجل من زاوية ضيقة.

اللقاء بين ماسك وإيرواني، نجح في فتح ثغرة في جدار الإدارة الجمهورية الجديدة، وقد يمهد للقاءات أخرى مستقبلا

كما يرى الإصلاحيون أن الدبلوماسية الذكية أمضى وأكثر كفاءة من أي سلاح، وهم على يقين أنهم يملكون بين أيديهم معجزة، هي لغة التفاوض؛ التي أشاد بها ترمب، والهدف الوحيد الذي يريدون تحقيقه من خلالها، هو تبريد العلاقة مع الولايات المتحدة، لذلك، في الأيام المقبلة سوف نرى إيران الإصلاحية، تضغط بكل طاقاتها الدبلوماسية وتقدم التنازلات، لإقناع الإدارة الأميركية الجديدة باستئناف المفاوضات.

علاوة على ذلك، يعول الإصلاحيون على التاريخ المشترك من المصالح بينهم وبين الجمهوريين، ويأملون أن تدفع إعادة قراءة هذا التاريخ بالإدارة الجمهورية الجديدة إلى كسر حاجز النفور تجاههم، فقد سبق للإصلاحيين وحلفائهم أن قدموا خدمات للجمهوريين، في حرب الكويت (جورج بوش الأب/هاشمي رفسنجاني)، وخلال غزو العراق (جورج بوش الابن/محمد خاتمي).

اللقاء بين ماسك وإيرواني، نجح في فتح ثغرة في جدار الإدارة الجمهورية الجديدة، وقد يمهد للقاءات أخرى مستقبلا، يبقى أن هناك عقدتين سوف تستنزفان المفاوضات قبل أن يتمكن الطرفان من الوصول إلى صياغة تسوية مفيدة، أمن إسرائيل الذي تتمسك به إدارة ترمب كشرط مسبق للبدء بأي حوار، و"الميليشيات الوكيلة" التي تساوم عليها إيران، ومن المحتمل أن تفعّل إيران رؤيتها السياسية الجديدة التي تطلق عليها "الدبلوماسية الصحيحة"، والتي تتجلى في اعتماد سياسة النأي بالنفس عما يجري في غزة ولبنان وسوريا، وترك الآلة العسكرية الإسرائيلية ترتب المنطقة وفق ما يناسبها.

font change