اليمين الإسرائيلي يبتهج بعد تعيينات ترمب... لماذا؟https://www.majalla.com/node/323107/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D9%8A%D8%A8%D8%AA%D9%87%D8%AC-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7%D8%9F
اكتمل تقريبا فريق السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترمب، وجاءت التشكيلة مؤشرا على المنحى الذي ستنتهجه الإدارة الجديدة فيما يخص الإسرائيليين والفلسطينيين. فقد عين ترمب مجموعة لا يمكن وصفها بأنها مؤيدة لإسرائيل عموما، بل بشكل أكثر تحديدا مؤيدة لليمين الإسرائيلي.
الولاء أولا
قبل الخوض في الأسماء، لا بد من تسليط الضوء على أمرين. الأول هو السرعة التي اختير بها المرشحون: إذ لم يستغرق الأمر سوى أسبوع إلى عشرة أيام تقريبا كي يستقر الرئيس الجديد على المرشحين. وللمقارنة فقط، احتاج ترمب لأكثر من شهر حتى يختار أول وزير خارجية له، ريكس تليرسون، خلال فترة ولايته الأولى.
ومن الواضح أن ترمب رجل لديه خطة، ويمكن اختزال هذه الخطة إلى شيء واحد: الولاء أولا. لا بد أنه يتذكر المشاحنات والخلافات التي خاضها مع بعض الذين قام بتعيينهم بنفسه، وهو لا يريد شيئا من هذا القبيل خلال ولايته الثانية. ونتيجة لهذا، ربما تكون التعيينات أقل ارتباطا بالأيديولوجيا والسياسة وأكثر ارتباطا بالولاء للرئيس. ما يعني أن المعينين يجب أن يحظوا أولا بثقة الرئيس والقدرة على الإدلاء بآرائهم، ولكن يُتوقع منهم أيضا أن يكونوا على أهبة الاستعداد– كالمتسابقين الواقفين على خط البداية– لتنفيذ كل ما يريد. وقد لا يكون تحقيق هذا التوازن بالأمر الهيّن لأن هذا "الخط" قد يكون متغيرا وفق رؤية ترمب الآنية.
يؤمن المحافظون الجدد بدور أميركا كضامن للنظام العالمي. ومن جهة أخرى، ثمة جيل جديد أصغر سنا من أنصار سياسة "أميركا أولا" أقل استعدادا لانخراط الولايات المتحدة في الصراعات
أما العامل الرئيس الثاني الذي ينبغي أخذه في الاعتبار فهو التوجه العام للإدارة الجديدة. بصورة عامة يمكن تقسيم عالم "اجعل أميركا عظيمة مجددا" (MAGA) إلى جناحين. فمن جهة، لدينا "المحافظون الجدد" الأكثر تقليدية الذين شكلوا– منذ عقود– السياسة الخارجية التي يقودها الجمهوريون بشكل عام. يؤمن هؤلاء المحافظون الجدد بدور أميركا كضامن للنظام العالمي. ومن جهة أخرى، ثمة جيل جديد أصغر سنا من أنصار سياسة "أميركا أولا". وهؤلاء القادة الجدد أقل استعدادا لانخراط الولايات المتحدة في الصراعات، وغالبا ما يزعمون أن الصين تمثل التهديد الرئيس وأن على واشنطن أن تولي جلَّ اهتمامها لهذا الصراع.
وفي إسرائيل، كان أولئك الذين حاولوا استقراء عملية صنع القرار لدى جماعة الـ"MAGA"قلقين بعض الشيء من أن المعسكر الثاني يمكن أن يسجل نقاطا مهمة. فقد نُظر إلى تهميش مايك بومبيو، الذي كان يسعى للحصول على منصب وزير الخارجية، ومعه السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، على أنها علامات محتملة تشير إلى أن "المحافظين الجدد" قد فقدوا حظوتهم. وبدا هذا الانحراف اللافت عن السياسة الخارجية التقليدية للجمهوريين جليا أيضا في اختيار ترمب لمنصب نائب الرئيس، جيه دي فانس، الذي دعا إلى سياسة أميركية أكثر حذرا في العالم، وإلى تدخل أميركي أقل. وحذر في مقابلة أجريت معه مؤخرا أنه على الرغم من دعم واشنطن لإسرائيل، فإن مصالح البلدين لا تتوافق دائما. وهو بيان ذو دلالات واضحة إلى حد ما– علما أنه نادرا ما تتوافق مصالح أي دولتين بشكل مثالي– لكن التعبير عنه بكل هذا الوضوح كان علامة على سياسة خارجية أكثر تركيزا على الذات.
ولكن هذا لا يعني أن مؤيدي "أميركا أولا" ليسوا مؤيدين لإسرائيل. فإن إلبريدج كولبي على سبيل المثال مؤيد قوي لإسرائيل، وهو أحد الشخصيات التي بدا أن تاكر كارلسون- أحد أكبر داعمي معسكر "أميركا أولا"- قد دفع بها كاختيار محتمل. فقد وصف كولبي إسرائيل بأنها "الحليف النموذجي"، بسبب قدرتها على الدفاع عن نفسها دون أن تطلب الكثير من واشنطن. أما تولسي غابارد، التي شكَّل اختيارها كمديرة جديدة للاستخبارات الوطنية صدمة للكثيرين داخل الولايات المتحدة وخارجها بسبب مواقفها المؤيدة لروسيا والأسد، وهي التي اتخذت مواقف يمكن أن تثير قلق الكثير من حلفاء الولايات المتحدة. ومع ذلك عندما تعلق الأمر بإسرائيل، فقد التزمت إلى حد كبير بالخط الجمهوري التقليدي في دعم الدولة اليهودية.
ثمة دلائل تشير بوضوح إلى أن سياسة "الضغط الأقصى" عائدة حتما. ومن هذه الدلائل حقيقة أن برايان هوك، مبعوث ترمب السابق لإيران، يقود الفريق الانتقالي في وزارة الخارجية
وتبقى المشكلة الرئيسة التي قد تواجهها الحكومة الإسرائيلية مع هذا الجيل الجديد هي أنه ربما يكون أقل قابلية للتنبؤ، وأكثر ميلا لوضع قيود على الدعم الأميركي لإسرائيل مقارنة بـ"المحافظين الجدد". وبالتالي، من المحتمل أن تكون الحكومة الإسرائيلية مسرورة بحقيقة أن ترمب بدا وكأنه لا يبتعد كثيرا عن اختيارات الجمهوريين التقليدية.
دلائل على عودة "الضغط الأقصى"
بدأ الأمر باختيار ترمب لمنصب وزير الخارجية السيناتور من فلوريدا، ماركو روبيو، الذي خاض الانتخابات التمهيدية لـ"الحزب الجمهوري" في عام 2016 على منصة متشددة إلى حد ما، بما في ذلك ما يتعلق بإيران، قبل أن يؤول النصر وقتها لترمب. ومنذ ذلك الحين خفف من حدة بعض آرائه، لكنه لم يخفف من دعمه لإسرائيل. إذ دعا روبيو إلى إعطاء إسرائيل كل ما تحتاجه لهزيمة "حماس"، ودعم الهجوم الإسرائيلي على رفح (في وقت كانت فيه إدارة بايدن مترددة في القيام بذلك). كما أيد سياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجها ترمب فيما يتعلق بإيران ودعا إلى إعادة فرضها.
وثمة دلائل أخرى تشير بوضوح إلى أن سياسة "الضغط الأقصى" هذه عائدة حتما. ومن هذه الدلائل حقيقة أن برايان هوك، مبعوث ترمب السابق لإيران، يقود الفريق الانتقالي في وزارة الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، دعت إليز ستيفانيك، التي عُينت بسرعة فائقة سفيرة جديدة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إلى عودة الضغط الأقصى ضد الجمهورية الإسلامية على الفور.
وتماشيا مع تلك الاختيارات، اختار الرئيس المنتخب مايك والتز مستشارا قادما للأمن القومي. كان والتز، وهو جندي سابق في الوحدات الخاصة الأميركية، منتقدا دائما لسياسة بايدن المزعومة التي كانت أقرب إلى "الاسترضاء" تجاه إيران، كما كان مؤيدا رئيسا للهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة. حتى إن والتز دعا إلى توجيه ضربات إلى المواقع الاقتصادية والنووية الإيرانية قبل هجوم إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر/تشرين الأول، وكان أيضا مؤيدا رئيسا لتوسيع اتفاقيات أبراهام.
في المجمل، تروي هذه الاختيارات قصة واضحة نسبيا لإسرائيل: تبدو الإدارة الجديدة أكثر ودا وقربا من أي وقت مضى
جاء الاختيار الأكثر إثارة للدهشة عندما عيّن الرئيس ترمب بيت هيغسيث وزيرا للدفاع. وعلى الرغم من أن هيغسيث يعتبر مغردا خارج السرب نسبيا، فإنه يدعم إسرائيل دعما لا يرقى إليه الشك، وهويحمل وشم صليب أورشليم وعبارة "Deus Vult' (التي تعني باللاتينية "إرادة الله") بالإضافة إلى رمزين مرتبطين بالحروب الصليبية والكثير من الوشوم العبرية، ومن بينها اسم يسوع بالعبرية.
إن المرء لا يتحدد بالضرورة بوشومه، لكن وبكل تأكيد لا بد أن يكون واثقا ومؤمنا بآرائه كي يحملها كوشوم على جسده إلى الأبد. ولقد كان هيغسيث على الدوام من أشد المؤيدين لإسرائيل، حيث دعا الولايات المتحدة إلى السماح لإسرائيل "بإنهاء" معركتها في غزة، ودعم الأعمال العسكرية ضد إيران.
في المجمل، تروي هذه الاختيارات قصة واضحة نسبيا لإسرائيل: تبدو الإدارة الجديدة أكثر ودا وقربا من أي وقت مضى. قد يتجادل الجانبان حول المدى الذي ينبغي لإسرائيل أن تذهب إليه ضد إيران، أو حول كيفية إنهاء الصراع في غزة أو لبنان، ولكن الشعور العام الذي يخالج حاشية نتنياهو ويطغى أيضا داخل اليمين الإسرائيلي المتطرف هو شعور بالابتهاج، فكل المعينين الذين اختارهم ترمب تقريبا لم يكن الائتلاف اليميني في إسرائيل ليختار سواهم.