يدين الفن التشكيلي المغربي عن بكرة أبيه لمغامرة الجيلالي الغرباوي الجمالية (1930-1971) كأوّل شريان مفتوح على الحداثة النوعيّة، في زمن كان العمل الفني رهينا بالحِرَف التقليدية أو أريد لهذا الفن بالأحرى طبقا لإملاءات استعمارية أن يكون استشراقيا فجّا، مرتكنا إلى ما هو واقعي ساذج لا يتخطى حدود هذا المدار المغلق.
تجربة الغرباوي الفنية تظل الأشد غرابة ومفارقة في تاريخ التشكيل المغربي، لا بالنظر إلى منجزه الإبداعي اللامألوف وحسب، ولكن بالنظر إلى غموض حياته وسوداويتها الحادة، إذ من الصعب الفصل بين مأسوية تجربته الوجودية وعمق منجزه البصري.
من جرف الملح إلى فاس
بدءا بلقبه الغرباوي الذي يحيل جغرافيا إلى منطقة الغرب في المغرب، وهي من أخصب سهول البلاد، عاصمتها القنيطرة وتشمل مدن سيدي قاسم، سيدي سليمان، القصر الكبير، مشرع بلقصيري، سيدي يحيى... ذاك أن محفل ولادته وفق النزر القليل من ضباب معلوماته السير-ذاتية هي بلدة جرف الملح المجاورة لمدينة سيدي قاسم.
الجيلالي إذن لم يكتف بأن يكون مغربيا بل من غرب المغرب أيضا، ولعلّ واضع اللقب لم يكن يخطر في باله أنّ الجنوح إلى غرب آخر مضاعف سيكون قدر الجيلالي، الذي سيستفيد من منحة في الرباط بفضل الكاتب أحمد الصفريوي الذي اقترحه كي يكون أول مغربي سيدرس في مدرسة الفنون الجميلة في باريس، وبعدها أكاديمية جوليان.