أثار خبر مقتل سليم عياش- المدان بجريمة اغتيال رئيس مجلس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري- في غارة إسرائيلية على مدينة القصير في ريف حمص بسوريا موجة من الجدل، وهو جدل كثر مؤخرا مع كل خبر يتعلق بمقتل أحد المتهمين أو المرتكبين لجرائم لا تحصى ضد اللبنانيين والسوريين.
البعض يتحدث عن عدالة إلهية ولو جاءت على يد إسرائيل التي تشن حروبا على كل من غزة ولبنان وتقتل آلاف المدنيين، البعض الآخر وتحديدا مؤيدي محور إيران في المنطقة يرون أن أي شعور بالرضا لمقتل عياش وأمثاله يعني أن الشخص أوتوماتيكيا "صهيوني"، كونه لا يستنكر أو حتى يرضى أن يقتل "مواطن مسلم" على يد الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الجدل لم نره عندما قتلت الولايات المتحدة "المواطن المسلم" أبو بكر البغدادي، بل إن كل من يريد اليوم أن يمارس رقابة على مشاعر الملايين من ضحايا "حزب الله"، كان يومها لا يمانع الخلاص من إرهابي على يد "الاحتلال الأميركي".
قاتل رفيق الحريري المدان لم يُقتل في أرضه وهو يحارب الاحتلال، بل قتل في أرض هو والميليشيا التي ينتمي إليها قاموا باحتلالها وقتل وتهجير أهلها... قتل في القصير السورية
جريمة اغتيال شخص بحجم رفيق الحريري ليست تفصيلا، وحتى بعد مضي أكثر من 19 عاما على هذه الجريمة، بل وتحديدا بعد مضي أكثر من 19 عاما على اغتياله، ثبت أن هذه الجريمة ليست تفصيلا وهي بحجم تفجير وطن.
لا يتوهم أحد أن سليم عياش هو من خطط ونفذ جريمة الاغتيال، ولكن من يؤمن بالعدالة قبل بما قالته المحكمة الخاصة بلبنان، ومن رفض العدالة وتطبيقها هو "حزب الله" وأكثر من مرة، وعلى لسان أمينه العام الذي رفض تسليم المتهمين ولاحقا المدان سليم عياش، وقال "القرار الذي سيصدر بالنسبة إلينا كأنه لم يصدر".
من شمت في الضحايا ولم يكترث يوما لمشاعرهم، هو من رفع اليافطات التي جعلت من عياش قديسا بعد إدانته باغتيال الحريري ورفاقه وأكثر من 21 مدنيا لبنانيا.
قاتل رفيق الحريري المدان لم يُقتل في أرضه وهو يحارب الاحتلال، بل قتل في أرض هو والميليشيا التي ينتمي إليها قاموا باحتلالها وقتل وتهجير أهلها، قتل في القصير السورية، تلك المدينة الشاهدة على جرائم حرب عياش في سوريا، المدينة التي قام جمهور "حزب الله" بتوزيع "البقلاوة" فرحاً باحتلالها وطرد أهلها منها، وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا تمحى من الذاكرة والوجدان، لأن جرائم أخرى ترتكب في هذه اللحظات.
تطبيق القرار 1701 بحذافيره وبكل مندرجاته، أي تسليم سلاح الميليشيات إلى الدولة، أمر ضروري كي تقوم الدولة القوية والقادرة بتطبيق القانون على الجميع وتحقيق العدالة
الصراخ والتهديد والوعيد لن يغير من هذه الحقائق شيئا، والترهيب لن يغير من مشاعر الملايين من الشعوب العربية، أن تكون ضد الاحتلال الاسرائيلي لأرض عربية لا يعني أن تؤيد احتلال إيران وميليشياتها لأراض عربية، هذه الازدواجية في المواقف ومحاولة فرضها بقوة السلاح لم تعد تجد نفعاً.
نعم قتل قاتل رفيق الحريري المعلن والمدان، وقتل عدد ممن شاركوا في قتل السوريين، من البغدادي إلى مئات العناصر من "حزب الله" ومرورا بقاسم سليماني، هذه عدالة بطريقة أو بأخرى ولو كان القاتل أميركيا أو إسرائيليا، وإن كان جمهور الممانعة يعترض على هذه العدالة فلا بد من التذكير والتأكيد على أن هذا المحور هو من منع تطبيق العدالة وقرارات المحكمة الدولية، هذا المحور هو من رفض الالتزام بالقرارات الدولية المتعلقة بسوريا ومن بينها استخدام الكيماوي ضد المدنيين..
وقفت إيران وميليشياتها سدا منيعا بوجه قيام دولة المؤسسات والقانون، رفضوا جميع القرارات الدولية وحتى القرارات التي وافقوا عليها على طاولات الحوار في لبنان والمفاوضات في سوريا لم يلتزموا بها. تسببوا في الويلات والدمار وقتل مئات آلاف المدنيين، كما جروا لبنان إلى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، والمطلوب اليوم كما قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، وكما قال رئيس الحكومة السابق سعد رفيق الخريري هو تطبيق القرار 1701 بحذافيره وبكل مندرجاته، أي تسليم سلاح الميليشيات إلى الدولة، كي تقوم الدولة القوية والقادرة بتطبيق القانون على الجميع وتحقيق العدالة.