بيت هيغسيث… وزير دفاع من "فوكس نيوز"

يحمل "صليب القدس" على صدره ولا يؤمن بالتنوع

أ.ب
أ.ب
بيت هيغسيث في مقابلة تلفزيونية مع ترمب في البيت الأبيض عام 2017

بيت هيغسيث… وزير دفاع من "فوكس نيوز"

إذا كان الهدف الأكبر الذي يسعى إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب هو إحداث تحول جذري في المؤسسة العسكرية بواشنطن، فإن ترشيحه للمحارب المخضرم ومقدم البرامج على قناة "فوكس نيوز" بيت هيغسيث لتولي منصب وزير الدفاع المقبل قد نجح بالفعل في تحقيق التأثير المطلوب.

خلال فترته الرئاسية الأولى، شهدت علاقة ترمب بالكثير من كبار القادة العسكريين الذين اختارهم لحكومته توترات ملحوظة. فعلى سبيل المثال، لم يصمد الجنرال هربرت ماكماستر، أحد أبرز القادة العسكريين الأميركيين، سوى عام واحد كمستشار للأمن القومي قبل أن يغادر منصبه. وعلى النهج نفسه، استقال الجنرال جيم ماتيس، وزير الدفاع حينها، في عام 2019، تعبيرا عن رفضه لقرار ترمب بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان.

في الوقت ذاته، ظهر الاستياء العميق الذي انتاب الكثير من كبار القادة العسكريين تجاه أسلوب ترمب المتسلط خلال ولايته الأولى في البيت الأبيض، من خلال تصريحات الجنرال جون إف كيلي، وزير الأمن الداخلي السابق في إدارة ترمب، أثناء الانتخابات الرئاسية، حيث اتهم ترمب بامتلاك "ميول فاشية".

وصرّح كيلي في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" قائلا: "إنها أيديولوجية وحركة سياسية يمينية متطرفة تتسم بالقومية المتشددة، وقيادة ديكتاتورية، واستبداد مركزي، وعسكرة، وقمع قسري للمعارضة، والإيمان بالتسلسل الهرمي الاجتماعي الطبيعي".

وعقب انتصاره الساحق في الانتخابات الرئاسية، أعلن ترمب بوضوح عزمه خلال ولايته الثانية تعيين الموالين المتشددين فقط، ممن يلتزمون تماما بأجندة "أميركا أولا"، بدلا من اختيار الشخصيات الاختصاصية التقليدية من واشنطن، التي غالبا ما كانت تعارض أهدافه خلال ولايته الأولى.

ومن هذا المنطلق، اتخذ ترمب القرار المثير للجدل بتعيين بيت هيغسيث، المناظر التلفزيوني البارز البالغ من العمر 44 عاما، والذي يفتقر إلى الخبرة اللازمة لإدارة بيروقراطية هائلة مثل البنتاغون، لتولي حقيبة وزارة الدفاع.

اتخذ ترمب القرار المثير للجدل بتعيين بيت هيغسيث، المناظر التلفزيوني البارز البالغ من العمر 44 عاما، والذي يفتقر إلى الخبرة اللازمة لإدارة بيروقراطية هائلة مثل البنتاغون، لتولي حقيبة وزارة الدفاع

شملت المسيرة العسكرية لبيت هيغسيث خدمته كضابط برتبة رائد في الحرس الوطني بولاية مينيسوتا، وحارس في معتقل خليج غوانتانامو، بالإضافة إلى مشاركته في جولات عسكرية في العراق وأفغانستان، قبل أن يتحول إلى ناقد يميني متطرف للجيش. ورغم ذلك، يفتقر هيغسيث إلى خبرة عسكرية أو أمنية عالية.

وخلال الفترات بين جولاته في العراق وأفغانستان، شغل هيغسيث منصب المدير التنفيذي لمجموعة "محاربون من أجل الحرية"، وهي منظمة سياسية كانت تدعو إلى تعزيز القوات الأميركية في العراق تحت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وكان يتقاضى راتبا سنويا قدره 110 آلاف دولار.

لا شك أن هذا التعيين حقق الغاية التي سعى إليها ترمب، والمتمثلة في إثارة الجدل. فقد قوبل ترشيح هيغسيث لهذا المنصب بإدانة واسعة النطاق وسخرية مماثلة داخل مؤسسة الأمن القومي في واشنطن، التي أبدت قلقها حيال بعض تصريحاته المثيرة للجدل.

ومن بين أكثر تصريحاته لفتا للانتباه عندما زعم أن تعيين رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال تشارلز براون، جاء فقط لأنه أسود، متهما إياه بـ"اتباع مواقف راديكالية للساسة اليساريين".

أ.ف.ب
بيت هيغسيث أثناء تقديم برنامجه على شاشة "فوكس نيوز" عام 2021

كما أثار تعيين بيت هيغسيث وزيرا للدفاع مخاوف بشأن افتقاره للخبرة اللازمة لهذا المنصب الأمني البارز، خاصة في ظل مشاركة الولايات المتحدة في صراعات كبيرة في أوكرانيا والشرق الأوسط، وقدرته على إدارة بيروقراطية ضخمة تضم 1.3 مليون عنصر عسكري في الخدمة الفعلية وحوالي مليون موظف مدني.

من بين أبرز المنتقدين لتعيين هيغسيث قادة مجموعات المحاربين القدامى الذين عارضوا ترشيحه سابقا لمنصب وزير شؤون المحاربين القدامى خلال فترة ولاية ترمب الأولى. إذ كتب بول ريكوف، مؤسس جمعية "قدامى المحاربين الأميركيين المستقلين"، في منشور على منصة "إكس" بعد ترشيح هيغسيث: "هيغسيث بلا شك هو المرشح الأقل كفاءة لمنصب وزير الدفاع في تاريخ أميركا. وهو الأكثر تسييسا بشكل واضح. استعدي يا أميركا".

أثار هيغسيث جدلا بسبب وشم يحمل "صليب القدس" على صدره، مما أدى إلى إبعاده عن طاقم الحراسة خلال تنصيب جو بايدن، بسبب مخاوف من ارتباطه بطائفة متطرفة

وأفاد إريك إيدلمان، الذي شغل منصب المسؤول السياسي الأعلى في البنتاغون خلال إدارة بوش، لموقع "بوليتيكو" بأن تعيين هيغسيث يعود بشكل كبير إلى ولائه للرئيس المنتخب. وأضاف: "[ترمب] يولي الولاء أهمية قصوى. ويبدو أن أحد المعايير الرئيسة المستخدمة هو مدى قدرة الناس على الدفاع عن دونالد ترمب على شاشات التلفزيون".

نشأ هيغسيث في ولاية مينيسوتا، وهو متزوج مرتين ولديه أربعة أطفال. في السنوات الأخيرة، طور علاقة وثيقة مع ترمب، حيث ظهر الأخير عدة مرات في برنامجه على قناة "فوكس نيوز".

وأثار هيغسيث جدلا بسبب وشم يحمل "صليب القدس" على صدره، مما أدى إلى إبعاده عن طاقم الحراسة خلال تنصيب جو بايدن، بسبب مخاوف من ارتباطه بطائفة متطرفة.

وإضافة إلى عمله لمدة عشر سنوات في "فوكس نيوز"، كتب هيغسيث عدة كتب، من أبرزها "الحرب على المحاربين: ما وراء خيانة الرجال الذين يحافظون على حريتنا". في إعلان ترمب عن ترشيحه، أثنى على هذا الكتاب، مشيرا إلى أنه "احتل قائمة الكتب الأكثر مبيعا في (نيويورك تايمز) لمدة تسعة أسابيع، بما في ذلك أسبوعان في المرتبة الأولى".

إحدى الدلالات على النهج الذي قد يتبعه هيغسيث في منصبه الجديد- إذا صادق الكونغرس على تعيينه- يمكن استنتاجها من مذكراته، حيث قال: "الرئيس الأميركي القادم بحاجة إلى إجراء إصلاح جذري في قيادة البنتاغون العليا، لضمان جاهزيتنا للدفاع عن أمتنا وهزيمة أعدائنا. هناك الكثير ممن يجب طردهم".

وفي ظهور له على قناة "فوكس نيوز" هذا العام، دعا إلى تغيير جذري في أولويات الجيش الأميركي، محذرا من أن التركيز الحالي على التنوع والشمول يضعف قدرة أميركا على الدفاع عن نفسها.

وقال هيغسيث: "لقد تسللت هذه الأيديولوجيات، والصواب السياسي، إلى صفوفنا- ولم ينهض الجنرالات والقادة ليقولوا: لا، ينبغي أن ينصب تركيزنا فقط على الاستعداد، والجدارة، والفتك". وأضاف في حديث على بودكاست هذا الشهر: "أغبى عبارة على وجه الأرض في الجيش هي أن تنوعنا هو مصدر قوتنا".

إحدى الدلالات على النهج الذي قد يتبعه هيغسيث في منصبه الجديد- إذا صادق الكونغرس على تعيينه- يمكن استنتاجها من مذكراته

كما قاد هيغسيث حملة للإفراج عن أفراد من الجيش الأميركي وُجهت إليهم اتهامات بارتكاب جرائم حرب. ففي عام 2019، حث هيغسيث الرئيس ترمب على إصدار عفو عن هؤلاء الجنود، مشددا على ضرورة إطلاق سراحهم. وقد أثمرت جهوده عن نجاح، حيث أصدر ترمب عفوا عن قائد عسكري سابق كان من المقرر أن يواجه المحاكمة بتهمة قتل صانع قنابل أفغاني مشتبه به، بالإضافة إلى ملازم سابق أُدين بالقتل لإصداره أوامر لجنوده بإطلاق النار على ثلاثة أفغانيين، مما أسفر عن مقتل اثنين منهم.

علاوة على ذلك، يؤمن هيغسيث بأهمية تعزيز قوة الجيش الأميركي وجعله أكثر فتكا، ويرى أن السماح للنساء بالخدمة في أدوار قتالية يضعف من فعالية الجيش في ساحة المعركة.

وفي مقابلة على بودكاست "ذا شون رايان شو"، صرّح هيغسيث: "كل ما يتعلق بخدمة الرجال والنساء معا يجعل الوضع أكثر تعقيدا، والتعقيد في المعركة يعني أن الإصابات تكون أسوأ". وأضاف: "أنا أقول بكل وضوح إنه لا ينبغي أن تكون لدينا نساء في أدوار قتالية- لم يجعلنا ذلك أكثر فاعلية، ولم يجعلنا أكثر فتكا، بل جعل القتال أكثر تعقيدا".

يواجه ترمب الآن تحديا في ضمان موافقة لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ على ترشيح هيغسيث، خاصة بعد ظهور مزاعم تفيد باعتقال هيغسيث في كاليفورنيا عام 2017 بسبب اعتداء جنسي مزعوم، رغم أنه تمت تبرئته في النهاية من أي مخالفة.

وباعتبار هيغسيث مذيعا تلفزيونيا مشاكسا لا يتردد في مناقشة آرائه المثيرة للجدل حول قضايا مثل الأمن القومي والحروب الثقافية في الولايات المتحدة، فمن المؤكد أن جلسة استماع مجلس الشيوخ للمصادقة على تعيينه ستجذب اهتماما واسعا وتثير نقاشات حادة.

font change

مقالات ذات صلة