المتغيرات السياسية والنقدية الأميركية قاطرة الاقتصادات العالمية والنامية

مؤشرات يرتقب أن تنعكس تحفيزا للأعمال ورفعا لمعدلات النمو وعوائد الاستثمار

المتغيرات السياسية والنقدية الأميركية قاطرة الاقتصادات العالمية والنامية

في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، قرر مجلس الاحتياطي الفيديرالي خفض سعر الحسم، خمسين نقطة أساس ليصبح 5 في المئة، ثم اتبعه بخفض جديد قبل أسبوع للمرة الثانية على التوالي خلال 2024، وذلك بواقع 25 نقطة أساس لتراوح الفائدة اليوم بين 4.5 و4.75 في المئة. جاء ذلك بعد انحسار موجة التضخم التي بدأت في مطلع عام 2022 حيث بلغ 9,1 في المئة في يونيو/حزيران من ذلك العام.

تراجع التضخم خلال عامي 2023 و2024 وظهرت مؤشرات ركود طفيف في الاقتصاد الأميركي، ومنها تباطؤ التوظيف وتذمر رجال الأعمال من تكاليف الاقتراض، مما دفع المسؤولين في مجلس الاحتياطي الفيديرالي إلى مراجعة مواقفهم والعمل على التجاوب مع مطالب الأسواق المالية ومؤسسات الأعمال وتسهيل السياسة النقدية وخفض سعر الخصم.

وهناك إمكانات لمزيد من الخفض خلال الأشهر المقبلة بعدما تبين أن معدل التضخم في الولايات المتحدة لامس 2,3 في المئة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، وهو معدل يقترب من المستوى المستهدف وهو 2 في المئة.

الصين، التي تمثل بلداً أساسياً في التجارة الدولية، حيث يعتمد اقتصادها على تصدير السلع والبضائع إلى مختلف دول العالم المتطورة والنامية، تواجه ركوداً وانخفاضا في الطلب الاستهلاكي

خفض سعر الحسم على الولايات المتحدة، فقد قام البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا بخفض أسعار الفائدة تحفيزاً للنشاط الاقتصادي ودعم التعاملات في الأسواق المالية. لكن يبقى السؤال المحوري، هل ستؤدي منطلقات السياسة النقدية الجديدة في الدول الرئيسة إلى إنعاش الحياة الاقتصادية وتعزيز تعاملات التجارة الدولية والتمويلات اللازمة لدعم التنمية في الدول النامية؟

واقع الاقتصاد الصيني اليوم

في الصين، التي تمثل بلداً أساسياً في التجارة الدولية، حيث يعتمد اقتصادها على تصدير السلع والبضائع إلى مختلف دول العالم المتطورة والنامية، تواجه ركوداً وانخفاضا في الطلب الاستهلاكي بعدما تشبعت القطاعات الاقتصادية بمنتجات تفيض على الحاجة، خصوصاً القطاع العقاري المثقل بالديون.

غيتي
سفن شحن تقوم بتفريغ حمولتها في ميناء نانجينغ، في مقاطعة جيانغسو في الصين، 12 نوفمبر 2024

ولذلك بدأت باتخاذ إجراءات تحفيزية، منها اعتماد تمويلات ميسرة وتسهيلات ائتمانية على حساب المال العام. وقرر البنك المركزي في الصين خفض سعر الفائدة وإطلاق تحفيزات تمويلية من أجل استقرار القطاع العقاري المثقل بالوحدات السكنية والمتعطل تسويقها نظراً لتراجع الطلب. يعني ذلك أن الصين مقبلة على انتهاج سياسات نقدية متساهلة بعدما تأكدت ضرورة اتخاذ هذه السياسات في وقت تسجل الأسعار معدلات سلبية، أي انكماشا (Deflation).

يعاني الاقتصاد الألماني، وهو أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، من تراجع وانكماش معدلات النمو حيث سجل معدلاً سلبيا بنسبة 0,3 في المئة في العام المنصرم، وينتظر أن يسجل ركوداً في السنة الجارية

تظهر المؤشرات في الولايات المتحدة عودة الحرارة إلى النشاط الاقتصادي، خلافا لموجة الركود التي كان الاقتصاديون ورجال الأعمال يخشون منها حتى وقت قريب. إذ وفقا للتقديرات، قد يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 2,7 في المئة خلال السنة الجارية، كما أن مؤشر الأسعار (CPI) يتراجع بشكل مضطرد، وقد يصل إلى 2,5 في المئة خلال الربع الأخير من هذا العام، قبل أن يتدنى إلى 2 في المئة، وهو المستوى المنشود، في عام 2025. لا شك أن مجلس الاحتياطي الفيديرالي قد يقدم على خفض جديد في أسعار الفوائد. 

Shutterstock
رمز عملة اليورو، خارج مقر البنك المركزي الأوروبي السابق في فرانكفورت، ألمانيا 30 مايو 2014

وسجل سوق العمل في سبتمبر/أيلول زخماً كبيرا بعد إضافة 254,000 وظيفة جديدة. لا شك أن هذه المؤشرات الاقتصادية المطمئنة في الولايات المتحدة تمثل أهمية لمختلف الاقتصادات الرئيسة في العالم، حيث سيكون لها انعكاسات على سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسة الأخرى، وقد تعزز هذه البيانات جاذبية الاستثمار في الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأخرى وخصوصاً الصين واليابان.

تخبط أوروبي ومؤشرات النمو متواضعة

قرر البنك المركزي الأوروبي في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، خفض أسعار الفوائد بـ25 نقطة أساس إلى 3,25 في المئة و3,40 في المئة و3,65 في المئة اعتباراً من 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024. اعتماداً على تقرير المؤسسات المالية الوطنية المستقلة "IFIS"، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد في دول الاتحاد الأوروبي بمعدل 1,1 في المئة خلال السنة الجارية.

الصناديق السيادية الخليجية، وكذلك رجال الأعمال الخليجيون المستثمرون في الأسواق المالية أو من خلال أدوات الاستثمار المباشر، سيتمكنون من تحقيق عوائد أفضل

كما أن معدل التضخم في منطقة اليورو سجل 1,7 في المئة مقارنة بـ4,3 في المئة قبل عام. هذه المؤشرات قد تكون مناسبة لصانعي السياسات النقدية، ولكنها تشير إلى أهمية تحفيز النشاط الاقتصادي. الاقتصاد الألماني، وهو أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، يعاني من تراجع وانكماش معدلات النمو حيث سجل معدلاً سلبيا بنسبة 0,3 في المئة في العام المنصرم، وينتظر أن يسجل ركوداً في السنة الجارية، ويمكن أن يحقق نموا بمعدل 0,9 في المئة في العام المقبل 2025. إذاً من المنتظر أن تبرمج السياسة النقدية لدول الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو تحديداً، بموجب أهداف التحفيز الاقتصادي ورفع معدلات النمو والارتقاء بمستويات التوظيف. وسجل معدل البطالة في دول الاتحاد الأوروبي نسبة 5,9 في المئة في أغسطس/آب 2024 منخفضاً عن 6 في المئة في يوليو/تموز. هناك أهمية لزيادة فرص العمل في الاتحاد الأوروبي بما يعزز رفع القدرات الاستهلاكية ومن ثم المساهمة برفع معدلات النمو.

ماذا عن دول الخليج واستثماراتها في العالم؟

كيف ستتأثر دول الخليج بمتغيرات السياسة النقدية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي؟ كما هو معلوم، تتعامل دول الخليج تجارياً مع الصين واليابان والدول الآسيوية بشكل متنام، حيث تتجه الصادرات النفطية إلى هذه الدول. لكن هناك أهمية للتعامل مع الاقتصاد الأميركي والاقتصادات الأوروبية، نظراً الى تركز الاستثمارات الخليجية في هذه الدول. غني عن البيان أن المؤسسات النشطة في هذه الاقتصادات تتأثر إيجابياً عندما تتراجع أسعار الفوائد بما يخفض مخصصات خدمة الدين لديها ويعزز إمكانات رفع معدلات العائد على الاستثمار. 

لذلك، فإن الصناديق السيادية الخليجية، وكذلك رجال الأعمال الخليجيين المستثمرين في الأسواق المالية أو من خلال أدوات الاستثمار المباشر، سيتمكنون من تحقيق عوائد أفضل. وفي إطار اهتمام الخليجيين بتطوير علاقاتهم الاقتصادية مع الولايات المتحدة وأوروبا، عقدت اخيراً قمة خليجية أوروبية تطرقت الى مختلف الشؤون ذات الصلة، السياسية والاقتصادية والقنصلية، ومما لا شك فيه أن الطرفين يؤكدان أهمية تطوير العلاقات وتعزيز التواصل وتسهيل الآليات الحاكمة لهذه العلاقات، وجاء بيان القمة يشير إلى التزام تطوير العلاقات التجارية وتعزيز الاستثمار والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة لدى الطرفين. لا بد لمتغيرات السياسة النقدية أن تحسن فرص الاستثمار خلال السنوات المقبلة، وتمكن من زيادة التدفقات من دول الخليج في قنوات الاقتصادات الأوروبية.

font change

مقالات ذات صلة