غزة: تشكّل مأساة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي المتمادي صورة شديدة الخصوصية للشعر الفلسطيني في الشتات، حيث تتجسّد صراعات الهوية والفقد، والمقارنات بين تجارب معيشة أو متخيلة، وما يعيشه الشعراء في الواقع، كما ترسم أفقا لعلاقة الإنسان الجدلية مع المكان والمنفى والاقتلاع الثقافي.
مع مرور الزمن، واختلاف الأماكن، وظروف الحياة، نضجت تجارب شعرية تحمل اختلافا في الأدوات، والتراكيب الشعرية والمشاعر، لكنها تقيم جسرا مع الأرض وأهلها، والحلم باللقاء.
لجوء مضاعف
يتميّز شعر الفلسطيني السوري رائد وحش المقيم حاليا في ألمانيا، بالهمس والتأمّل الهادئ، فهو لا يصرخ، بل يضع رقائق ناعمة للألم في قصيدته، لا تجرح، لكنها كاوية، وتنم عن تجربة قاسية للنازح عن مكانه، وهي هنا مكانان، سوريا التي غادرها بعد الحرب فيها، وفلسطين التي أجبر أهله على مغادرتها، مؤطرة صراعات الهوية والمكان، وملقية بشباكها حول أزمة المنفى والحرية. فلا يكف رائد وحش عن عرض الصور البشعة التي يواجهها الإنسان، وتجارب الترحال، والفقد والموت والحروب، ولا يتوقف عن تفكيك بنية عالم الشر، وكأنه يقسّمه جرعات تحاول استيعابه.
يكتب الشاعر نصّه وكأنه يخفي حزنا لا يفسح الشعر متسعا كافيا له، حيث نرى في قصائده متلازمة الموت والحرية، وأزمة النار التي لا تنطفئ في بلاد العرب، بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والصراعات الدينية والطائفية، التي تبرز على السطح، فتمزّق النسيج الاجتماعي، وتبدد أمان الإنسان. وترمي الصورة عنده إلى مشهدية بصرية، وكأنه ينقل مشهدا كاملا بإكسسواراته ومكانه، فيقدم الى القارئ دعوة مجانية الى قاعة سينما.