تشهد المملكة العربية السعودية تنوعا ثقافيا كبيرا، تضاعفت فيه سبل الثقافة والترفيه، وباتت جزءا من جودة الحياة، ومصدرا للدخل القومي، ولعلّ إنشاء بنية تحتية تضم 11 هيئة ثقافية، إضافة إلى هيئة تعنى بالترفيه، هو من أبرز عناصر القوة في هذا الاستثمار، لاسيما وأن هذه البنية تضمنت استراتيجيات متخصصة، تنطلق من خصوصية الثقافة السعودية، وقدرتها على إثراء مشهد حضاري منفتح على جميع الثقافات.
كما تسهم المشاريع الكبرى، إلى جانب هذه الهيئات، بدور بالغ الأهمية في تحفيز هذا الاتجاه، ولاسيما من خلال تأسيس المُدن الترفيهية الكبرى كـ"القدية" التي ستلعب دورا مستقبليا، يجعلها الوجهة الأولى عالميا للترفيه والرياضة والفنون والضيافة المتميزة.
ولا بأس في هذا السياق، من العودة قليلا إلى زمن قريب، ففي مارس/آذار 2019 أطلقت وزارة الثقافة "الاستراتيجية الوطنية للثقافة"، وضمنتها 27 مبادرة، هدفها تعزيز المشهد الثقافي السعودي، كتأسيس "مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية"، وإنشاء صندوق "نمو" الثقافي، وإطلاق "برنامج الابتعاث الثقافي"، وتطوير المكتبات العامة، وإقامة "مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي" وغيرها من المبادرات الكبرى.
ولعل ما يحتاجه الحراك الثقافي والترفيهي، بالإضافة إلى ما سبق، هو زيادة استقطاب تجارب عالمية لمهرجانات وفعاليات، تستثمر جميع مناطق المملكة: الجبلية، والساحلية، والدافئة، والباردة، والبحرية، والجزر، وكذلك الصحراوية، والمناطق التاريخية، ذلك أن السعودية عالم مكتمل، يكتنز جميع هذه المعطيات الحافزة لتوظيفها واستثمارها.
ثم إنّ بعث قصص الحضارة، التي تشهد عليها الأمكنة في جميع أنحاء السعودية، إضافة إلى إعادة ترميم ورسم حضارات الأمم السابقة وأتباعها، وما عاشته على هذه الأرض، لهو عمل ترفيهي ثقافي مكتمل الأركان، ذلك أن المكان هو أهم شواهد التاريخ، وإعادة قصة حضارته تنطوي على الكثير من الدروس، تماما كما ظلت الأهرامات شاهدا على الحضارة المصرية القديمة، والعمارة الأندلسية شاهداً على إبداع العربي القديم في الأندلس، لهذا باتت الفرصة سانحة، لتسريع تطوير كافة المواقع التراثية والأثرية التي أثمرت الجهود المبذولة بتوثيقها في السجل الوطني والعالمي.
من خلال الهيئة العامة للترفيه، يمكن العمل على تطوير وتنظيم هذا القطاع، بتقديم فعاليات ومهرجانات مناطقية على خطى موسمي الرياض وجدة الإبداعيين
ومن خلال "الهيئة العامة للترفيه"، يمكن العمل على تطوير وتنظيم هذا القطاع، بتقديم الكثير من فعاليات ومهرجانات مناطقية على خطى موسمي الرياض وجدة الإبداعيين، لتغدو مواسم خاصة بالمدن ذات الثراء المعرفي كالعلا والأحساء وحائل وعسير وجازان، لما تتمتع به وتختص كل منطقة منها بموروث حضاري مادي وغير مادي.
وبوجود الذكاء الاصطناعي الذي يقدم للعالم اليوم أنجع الحلول لدمج الثقافة والتكنولوجيا، بات من اليسير إنتاج سلع وخدمات وتصاميم، وقدرات جديدة، تمكن الدول التي تملكه وتطور استخداماته من امتلاك أهم القوى الناعمة القادرة على التأثير العالمي. والسعودية بما تملكه في هذا الجانب وبثرائها المعرفي، يمكنها أن تؤدي دورا حيويا في تشكيل وترسيخ صورتها الذهنية بين الأمم، فالقوة الناعمة لم تعد مجرد مفهوم، بل غدت استراتيجية طويلة الأمد، تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الشعوب، وإيجاد مجالات للتعاون والتفاهم. ويمكن اعتبار كوريا الجنوبية نموذجا استثنائيا في استغلال قواها الناعمة، وتصدير ثقافتها من خلال صناعة الموسيقى، والأفلام، والدراما، وغيرها.
وبما أن العالم أصبح أكثر ترابطا، فإن دور الثقافة في تحسين العلاقات بين الشعوب سيظل حاسما، ولهذا يجب أن تتضافر الجهود لتأكيد الإرادة الوطنية القوية، الساعية لتطوير مشهد معرفي فريد بمواصفات دولية، يعكس عمق التاريخ والثقافة القادرة، على ترسيخ مكانة السعودية على خارطة الثقافة العالمية.