بعيدا عن الحدود الجغرافية والسياسية المتصلة بأية لغة، لمجرد اقتراح ورأي، ماذا لو أسست مؤسسة، أو حتى أفراد، كتابا إلكترونيا في فضاء الشبكات، يستقبل قصصا قصيرة ذات جودة، لشعوب غير عربية، ناطقة باللغة العربية وتكتب بها. بلا شك أن الكتاب سوف يتحول مع الزمن إلى أكاديمية قصصية إلكترونية، يحكمها الإبداع بطرح قضايا في قصص جمالية فنية متخيلة، لبيئات شاسعة مترامية الأطراف لا نعرفها، فثمة درجات متفاوتة في قوة اللغة بسبب التعددية الثقافية، وثمة تنوع وغنى في مترادفات اللغة، التي لا تنتهي بتأثيراتها الإقليمية وجغرافياتها المتباينة، البعيدة والقريبة، القديمة والحديثة، وحتى المعجم الصوتي يتناقض في مساحات متغيرة في لهجاتها، فنستقبل قصصا تنطلق من ينابيع ثقافية مجهولة.
الأعمال الأدبية تؤثر بشكل إيجابي على وحدة اللغة، أية لغة كانت، بنشر أعمال قصصية، شرط التغاضي عن الحدود الجغرافية المرسومة، وعن المشكلات التي تؤثر على وحدة اللغة في العالم الناطق بها، فهناك من ينطق بها ويقرأها ويكتبها، وهو خارج النطاق الجغرافي المسمى باسم قوميته اللغوية.
أما على مستوى اللغة العربية، فالاستثمار في لغتنا ووحدتها الكبرى يصلح أن يكون من خلال القصة القصيرة. وحددت القصة القصيرة بوصفها أنموذجا صغيرا أو قصيرا يتدفق بالمشاعر القوية، وفي اللحظة ذاتها القصة متحررة وفردية، فهناك الملايين من المتحدثين بالعربية ومن يكتبون بها، أي في جغرافيات أخرى غير عربية، وفي دول كبرى، وبمساحات شاسعة... مثل تركيا وإيران وبعض الدول في أفريقيا، مثل تشاد وجيبوتي وإثيوبيا وجنوب السودان، بالإضافة إلى بعض مناطق آسيا الوسطى وروسيا والصين.
للغة العربية تاريخ خاص، يأخذنا إلى أسفار شيقة لثقافات مختلفة، وكم تكون الفكرة فاتنة ومنتشية بالإبداع في قصة قصيرة خفية تتوغل بعمق، على ما يثير أسئلة جديدة وطرية
ولعلنا نجد المثال في الإسبانية بلغتها المنتشرة في العالم، والتي تصل إلى ثلث سكان العالم، وبتنوع اللهجات واختلاف الثقافات والمذاهب، فهي لغة تملك تعددية غنية وفي جغرافيات كبيرة. وهناك اللغة الفرنسية المنتشرة في بعض الدول الأفريقية والآسيوية وشمال القارة الأميركية. آداب تلك الأمكنة تجعل من اللغة الفرنسية أو الإسبانية أو البرتغالية وغيرها غزيرة في ثقافاتها وخيالاتها، وتعود بالتسامح رغما عن الأبعاد السياسية. وبالطبع هناك اللغة الإنجليزية التي تحمي الناطقين والكاتبين بها... هذه اللغات خصصت الجوائز الأدبية والمعاهد المتخصصة التي توحدها وتجعلها أكثر قدرة على التعبير في سعة الأمكنة والحدود غير الإنجليزية، إلا أن أغلب الجوائز في الغرب لا تشترط سوى اللغة، دون تحديد للجنسية أو الدولة أو العمر، ويبقى الفائز على متنافسيه من المبدعين، هو المقروء غالبا. كما أن الغرب لديه عشرات الجوائز للقصة القصيرة... بينما الجوائز القصصية في العالم العربي نادرة، وأغلبها مخصصة أو بشروط عديدة، والفائز بها هو الذي ننتبه لنصوصه.
يظل الموقع الإلكتروني مستقبلا جودة الإبداع، شرط اللغة فقط، ليصبح مع الزمن كتابا أكاديميا إلكترونيا للقصة القصيرة، وهي بطبيعة الحال تختلف عن الجائزة، فثمة مواهب قصصية لا تدخل جوائزنا القليلة.
للغة العربية تاريخ خاص، يأخذنا إلى أسفار شيقة لثقافات مختلفة، وكم تكون الفكرة فاتنة ومنتشية بالإبداع في قصة قصيرة خفية تتوغل بعمق، على ما يثير أسئلة جديدة وطرية، ولعلها أسئلة نيئة تأخذنا إلى خرائط لا نعرفها، وخيالات تسترد أنفاسها، من حضارات أفريقية وآسيوية منسية. وكي لا يتم تحطيم وحدة هذه الأحضان في ضوء اللغة، يتم نشر هذه الأعمال لقوميات أخرى مبدعة، وتصبح مواجهة المتغيرات التي تعيشها لغتنا الواضحة المعالم أمام ثقافات أخرى أكثر وضوحا، وملامح لثقافات مختلطة بظواهرها من طهي ومعمار وموسيقى ووجدانيات...
هي فرصة جديدة للإنصات إلى تراث أراض تحمل لوحاتها السيريالية، ولا هدف سوى وحدة اللغة، لوفرة فضائها ومغامراتها اللسانية، وبالتالي نؤسس إمبراطورية اللغة العربية (القصصية)، إن جاز لي التعبير، تتولاها مؤسسة أو حتى مشروع فردي، مسؤول عن جمع القصص وحمايتها في طبعات دورية بلا نهاية لعالم قصصي عربي يتسع بلا حدود.