قد يكون من السابق لأوانه تقييم تشكيلة إدارة دونالد ترمب الجديدة، إلا أنه من الواضح أن الرئيس المنتخب يسعى لتشكيل واحدة من أكثر الحكومات الأميركية تشددا منذ حقبة الحرب الباردة. ستواجه الإدارة الجديدة عالما أشد تقلبا وخطورة مما كان عليه الحال عندما تولى ترمب منصبه في عام 2017، مع اشتعال الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، وتزايد التحالف بين الصين ودول معادية مثل روسيا وإيران.
لم تشهد الولايات المتحدة مجموعة من كبار المسؤولين الأمنيين بهذا المستوى من التشدد منذ تولي الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش السلطة في عام 2001. ففي عهد بوش، تولى ديك تشيني، المعروف بتوجهاته المتشددة في السياسة الخارجية للجمهوريين، منصب نائب الرئيس، بينما أشرف دونالد رامسفيلد، صاحب النهج المتشدد أيضا، على وزارة الدفاع. ولم تكن آراء الشخصيات الأقل تشددا، مثل كولن باول الذي شغل منصب أول وزير خارجية في إدارة بوش، تؤخذ بعين الاعتبار في القضايا الأمنية الوطنية الرئيسية، كقرار غزو العراق والإطاحة بالدكتاتور صدام حسين.
إصرار ترمب على تعيين مؤيدين متشددين لأجندة "أمريكا أولا" في مناصب رئيسية بفريقه الأمني يشير إلى أن الأصوات المعارضة، مثل تلك التي مثلها باول في إدارة بوش، لن تجد لها صدى في إدارته الجديدة، حيث يسعى الرئيس المنتخب لضمان السيطرة الكاملة على سياسة واشنطن الخارجية خلال السنوات الأربع المقبلة. تبدو هذه الرسالة واضحة وصريحة من التعيينات الأولية لترمب في المناصب الأمنية والدفاعية، حيث أظهر تفضيله لتعيين شخصيات ذات سجل واضح في تبني مواقف متشددة إزاء قضايا مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية.
إصرار ترمب على تعيين مؤيدين متشددين لأجندة "أمريكا أولا" في مناصب رئيسية بفريقه الأمني يشير إلى أن الأصوات المعارضة، مثل تلك التي مثلها باول في إدارة بوش، لن تجد لها صدى في إدارته الجديدة
تتجلى أبرز دلالات توجه ترمب المحتمل في قضايا الأمن القومي من خلال تعيينه بيت هيجسيث، أحد المحاربين القدماء البارزين والبالغ من العمر 44 عاما ومذيع قناة فوكس نيوز، وزيرا للدفاع. خدم هيجسيث في أفغانستان والعراق، وسيتولى مسؤولية أقوى جيش في العالم، بالإضافة إلى إدارة البنتاغون، أحد أكبر الأجهزة البيروقراطية في واشنطن بميزانية تقارب 900 مليار دولار.
عند إعلانه تعيينه، وصف ترمب هيجسيث بأنه "قوي، ذكي، ومؤمن حقيقي بمبدأ أمريكا أولا." وكتب في منشور: "مع وجود بيت في القيادة، سيعلم أعداء أمريكا أن جيشنا سيصبح عظيما من جديد، وأن أمريكا لن تتراجع أبدا."
تعيين هيجسيث جاء أيضا بعدما تأثر ترمب بكتابه "الحرب على المحارب،" الذي يكشف عن "خيانة اليسار للمحاربين، والحاجة لإعادة الجيش إلى مبادئ الجدارة، والقوة، والمساءلة، والتميز." ويُعد هيجسيث، الذي يُصنف كأحد المرشحين المناهضين لحركة "الصحوة،" من المؤيدين لتحويل الجيش الأميركي إلى قوة أكثر فتكا، وله مواقف متشددة في عدة قضايا، مثل الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط. خلال عمله في فوكس نيوز، وجه هيجسيث انتقادات لإدارة بايدن بسبب دعمها غير الحاسم لأوكرانيا، كما دعا سابقا إلى شن ضربات عسكرية مباشرة ضد إيران.
لا يُعد هيجسيث الوحيد في فريق ترمب الأمني المعروف بتبنيه سياسات متشددة. جون راتكليف، المتوقع تعيينه مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، معروف بقناعاته الراسخة حول مسؤولية الصين عن جائحة كورونا، مدعيا أن الفيروس نشأ في مختبر أبحاث صيني، وهو ادعاء تنفيه بكين باستمرار. ومع تولي راتكليف مسؤولية وكالة الاستخبارات في لانغلي، يُتوقع أن تتخذ الإدارة الجديدة موقفا أكثر صرامة تجاه الصين، لا سيما فيما يتعلق بالاتهامات حول اختراق الصين لحرم الجامعات الأمريكية.
يعكس تعيين جيه دي فانس كمرشح ترمب لمنصب نائب الرئيس أيضا تصميم الرئيس المنتخب على إحداث تغيير جذري في اتجاه منظور الأمن القومي لواشنطن تحت قيادته. برز فانس، سيناتور أوهايو، لأول مرة في الساحة الأمريكية من خلال مذكراته "مرثية هيلبيلي،" التي نشرها عام 2016، والتي تناولت القضايا الاجتماعية والاقتصادية في منطقة أبالاتشيا، مسقط رأسه. ويتمتع فانس بخلفية عسكرية، على غرار هيجسيث، حيث خدم في سلاح مشاة البحرية الأمريكية لمدة أربع سنوات منذ عام 2003، وعمل خلال تواجده في الجيش في الشؤون العامة بالعراق بعد الغزو الأمريكي في ذاك العام.
لا يُعد هيجسيث الوحيد في فريق ترمب الأمني المعروف بتبنيه سياسات متشددة. جون راتكليف، المتوقع تعيينه مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، معروف بقناعاته الراسخة حول مسؤولية الصين عن جائحة كورونا
ويُعد فانس من المنتقدين العلنيين للمساعدات العسكرية الأمريكية وللتدخلات العسكرية في الشرق الأوسط، كما أعرب علنا عن شكوكه حول جدوى استمرار الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا. وفي خطاب حديث، قال: "بالتأكيد يعجبني صمود الأوكرانيين في مواجهة روسيا، لكن لا أعتقد أن من مصلحة أمريكا الاستمرار في تمويل حرب فعليا لا نهاية لها في أوكرانيا."
ويُعرف فانس أيضا بانتقاده لغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، حيث يرى أنه أدى إلى زيادة نفوذ إيران في الشرق الأوسط. وبعد إقرار مجلس الشيوخ حزمة مساعدات بقيمة 61 مليار دولار لأوكرانيا في أبريل/نيسان، استند فانس إلى تجربته في العراق لتأنيب زملائه، قائلا: "خدمت بلدي بشرف، وعندما ذهبت إلى العراق، اكتشفت أنني خُدعت،" مضيفا أن "وعود المؤسسة السياسية الخارجية لهذا البلد كانت محض سراب."
يُعد تعيين ترمب للنائبة الديمقراطية السابقة تولسي غابارد كمديرة للاستخبارات الوطنية مؤشرا آخر على عزمه إجراء إعادة هيكلة جذرية للبنية الأمنية في واشنطن، وهو إجراء قد يؤدي إلى أكبر تغيير في عمليات التجسس الأمريكية منذ عقود. منذ انضمامها إلى الحزب الجمهوري هذا العام، اتهمت غابارد الحكومة بالمشاركة في "مجمع صناعي عسكري" وهاجمت "المؤسسة السياسية الخارجية في واشنطن."