"بريكس 2024"... البحث عن "الجنوب العالمي"

أعضاء جدد، تحديات قديمة وأجندات متباينة

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة خلال قمة "بريكس 24"، في مدينة قازان، روسيا 23 أكتوبر 2024.

"بريكس 2024"... البحث عن "الجنوب العالمي"

تعكس قمة «بريكس بلس» التي عُقدت في مدينة قازان الروسية ظهور نظام متعدد الأقطاب، كما تعبر عن استياء متزايد لدى بعض القوى الناشئة من النظام المالي العالمي. ومع ذلك، كشفت القمة أيضًا عن عدم وجود توافق في شأن القضايا الرئيسة وغياب رؤية سياسية متماسكة، فيما تواجه مجموعة "بريكس" صعوبات في تحقيق رؤية وهوية مشتركة حتى قبل انضمام الأعضاء الأربعة الجدد، مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة. انضمام الدول الأربعة، وربما السعودية لاحقًا، سيجعل المجموعة تستمر في النضال من أجل هويتها. أما في شأن القضايا العامة مثل تسهيل التجارة والاستثمار الأجنبي، فستكون الاتفاقات بين أعضاء المجموعة أسهل في التوصل إليها، مقارنة بالمواقف الجيوسياسية أو ردود الفعل تجاه الدولار، حيث من المحتمل أن تفشل محاولة إنشاء رؤية لـ«الجنوب العالميّ»، ولكن كونه تجمّعا دوليا اشبه بالمنتدى، فسيظل نقطة تجمع مفيدة وقد تحقق بعض الاختراقات الديبلوماسية.

استضافت روسيا قمة «بريكس بلس» في مدينة قازان من 22 إلى 24 أكتوبر/تشرين الأول 2024، حيث رحبت بقادة من 36 دولة، في أكبر حدث في مجال السياسة الخارجية تستضيفه روسيا على الإطلاق، كما كانت هذه القمة الأولى منذ توسيع المجموعة؛ حيث انضمّت مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة، مما رفع العدد الإجمالي للأعضاء إلى تسعة.

خطط بوتين لاختراق عزل روسيا والعقوبات

بالنسبة الى الرئيس فلاديمير بوتين، كانت القمة فرصة لإظهار أن روسيا ليست معزولة بعد الحرب في أوكرانيا. وفي هذا الصدد، حققت القمة بعض المكاسب. تحت وطأة العقوبات، سعى بوتين أيضًا للاستفادة من الاستياء بين القوى المتوسطة الصاعدة تجاه ممارسة الولايات المتحدة سلطتها المالية وهيمنة الدولار في التجارة العالمية، وخاصةً فرض تدابير أحادية ضد الدول التي تعتبرها "غير ملتزمة" أو تشكل تهديدًا لمصالحها.

رويترز

وقد كان هذا موضوعًا يثيره غالبًا زميله البرازيلي في مجموعة "بريكس". كما أن هذه القضية تهم إيران التي تواجه عقوبات صارمة. ومع ذلك، لم يحقق بوتين الكثير من الزخم في هذه القضية، إذ لا تتوافق مع مواقف الهند أو الأعضاء الجدد مثل الإمارات ومصر. لكن من المتوقع أن يكون الدولار موضوعًا متكررا في فعاليات "بريكس بلس" المستقبلية.

تمثلت السعودية بوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، على الرغم من أن المملكة لم تصبح بعد عضوًا رسميا، وهذا التمثيل العالي يُعد إنجازا ملحوظا لروسيا وهي الدولة التي تواجه عقوبات صارمة من القوى الغربية

ومع ذلك، انجذب العديد من القوى المتوسطة نحو الكتلة في أعقاب ردود السياسة الغربية على الحرب في غزة، والتي ينظر إليها البعض على أنها خيانة للنظام القائم على القواعد الدولية. هناك خيبة أمل عميقة في رفض واشنطن الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار مع "حماس"، على الرغم من مقتل أكثر من 43,000 فلسطيني على يد قوات الدفاع الإسرائيلية وتدمير غزة. في هذه القضية، كان هناك توافق أوسع.

أجندات متباينة واستكشاف "الجنوب العالمي"

تُعتبر قمة قازان حدثًا بارزًا لأنها جمعت بين قادة القوى المتوسطة، فقد حضر القمة الرؤساء: شي جين بينغ من الصين، سيريل رامافوزا من جنوب أفريقيا، عبد الفتاح السيسي من مصر، مسعود بيزشكيان من إيران، ومحمد بن زايد من الإمارات العربية المتحدة، كما شارك رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد، بينما مثّل المملكة العربية السعودية وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان - على الرغم من أن المملكة لم تصبح بعد عضوًا رسميًا - وهذا التمثيل العالي يُعد إنجازًا ملحوظًا لروسيا، وهي الدولة التي تواجه عقوبات صارمة من القوى الغربية.

رويترز
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، لدى وصوله إلى قمة "بريكس" في قازان، روسيا، 23 أكتوبر 2024.

في ظل اهتمام العالم بما يُعرف بالقوى المتوسطة واستكشاف صعود «الجنوب العالميّ»، في المقابل، وبالنظر إلى الفروق الواسعة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية والتاريخية بين دول مجموعة «بريكس بلس» و«الجنوب العالميّ» بشكل عام، سيكون من الصعب تحقيق أجندات سياسية مشتركة، إذ من الأسهل تحقيق أجندات اقتصادية مشتركة تتعلق بالتجارة والاستثمار الأجنبي.

بشكل عام، كانت المهمة والأجندة والنتائج تفتقر إلى هدف محدد وواضح، بالرغم من أن القمة مثّلت 45 في المئة من سكان العالم و28 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. مع ذلك، اختلفت دوافع كل عضو مشارك؛ وهي علامة على الانتقال التاريخي الجاري من نظام عالمي أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب.

أعضاء "بريكس" لا يظهرون حماسة تجاه اقتراح بوتين لإنشاء آلية جديدة للمدفوعات تُسمى «جسر بريكس»، باستخدام تقنية البلوكشين والعملات الرقمية

هذه التحولات قد بدأت بالفعل، لكنها لا تزال بعيدة عن الاكتمال، مما يترك حلفاء الولايات المتحدة ومعارضيها في حالة من عدم اليقين. فبين حلفاء الولايات المتحدة، هناك رغبة في الحفاظ على علاقة وثيقة مع واشنطن، وفي الوقت نفسه، استكشاف خيارات أخرى، حتى لا يواجهوا مفاجآت كبيرة عندما يأتي الوقت لتعدد الأقطاب. كذلك هناك اتجاه عام نحو التنويع الجيوسياسي بين القوى المتوسطة والتوافق الاستراتيجي المتعدد، بالإضافة إلى الرغبة في عدم الانجرار نحو كتل تفرضها عليهم قوى أكبر.

.أ.ف.ب
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جي بينغ، خلال قمة "بريكس" في قازان، روسيا، 23 أكتوبر 2024.

لذا، ليس من المستغرب أن تفتقر "مجموعة بريكس" إلى مبدأ تنظيمي مركزي، وأن تعاني من قلة التماسك. ازداد تعقيد شبكة التعاون، التي اتسمت بالولاء لقوة أو كتلة رئيسة منذ عام 1945، تتجه الدول فيها بشكل متزايد نحو ديبلوماسية قائمة على القضايا؛ حيث يمكن أن يتحول الحلفاء إلى خصوم بحسب الموضوع المطروح. على سبيل المثل، كانت روسيا والسعودية تدعمان جانبين مختلفين في سوريا، ولكنهما تتعاونان الآن في سياسة النفط ضمن "أوبك بلس". وفي الفترة الاخيرة استأنفت الرياض العلاقات الديبلوماسية مع سوريا. ولا تزال الهند والصين تعانيان من توترات حدودية، بينما تتنافس إثيوبيا ومصر والإمارات على النفوذ في القرن الأفريقي.

خدعة بوتين الفاشلة في شأن الدولار

الى جانب القضايا الثنائية بين الدول الأعضاء، لم تتمكن "مجموعة بريكس" بعد من حل بعض القضايا الرئيسة التي ستحدد هوية المجموعة وتكون مقياسًا لنجاحها، وأولى هذه القضايا هي الخلافات المستمرة حول الجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي. ففي حين تميل بعض الدول الأعضاء إلى تفضيل استخدام العملات المحلية لتسهيل التجارة الثنائية، تقترح روسيا استبدال العملة الاحتياطية باليوان الصيني. ترى معظم الدول الأعضاء أن الابتعاد عن الدولار الأميركي سيضر بمصالحها؛ كما أن الصين تشكك بشدة في نطاق وطموح مثل هذا المشروع، وقد أعربت الهند عن رفضها الصريح لذلك.

كما أن أعضاء "بريكس" لا يظهرون حماسة تجاه اقتراح بوتين في قمة هذه السنة لإنشاء آلية جديدة للمدفوعات تُسمى "جسر بريكس"، باستخدام تقنية البلوكشين و"التوكنات" والعملات الرقمية، وذلك على أقل تقدير لأن الولايات المتحدة هددت بفرض عقوبات على من يموّل أو يزوّد روسيا في حربها ضد أوكرانيا. وتعتزم روسيا بشكل جاد انشاء أداة بديلة لنظام "سويفت" المالي، وقد بدأت ذلك منذ قمة العام الماضي عندما تم طرح الفكرة للمرة الأولى؛ وفي الأسبوع الماضي، كشفت وسائل الإعلام الروسية عن نموذج أولي لـ"عملة بريكس"، ومع ذلك، يبدو أن معظم أعضاء "بريكس" مرتبطون بشكل وثيق بالدولار الأميركي الى درجة أنهم لا يستطيعون قبول مثل هذه الخطوة.

تفيد روسيا بأن نحو ثلاثين دولة أخرى، بما في ذلك ماليزيا وتركيا ونيكاراغوا، قد أعربت عن اهتمامها بالانضمام

هل سيكون هناك مزيد من الأعضاء؟

هناك أيضًا عدم اتفاق حول ما إذا كان ينبغي توسيع المجموعة أم لا؛ تفيد روسيا بأن نحو ثلاثين دولة أخرى، بما في ذلك ماليزيا وتركيا ونيكاراغوا، قد أعربت عن اهتمامها بالانضمام. مع ذلك، أعربت بعض الدول الأعضاء مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والإمارات العربية المتحدة عن قلقها من أن تشير إضافة أعضاء جدد للولايات المتحدة إلى أن "بريكس" هي تحالف ضد الغرب.

كما أن جنوب أفريقيا مترددة في قبول دول أفريقية أخرى، مثل المغرب أو نيجيريا، لأنها تعتقد أن ذلك سيؤثر سلبًا على نفوذها داخل المجموعة. هناك أيضًا مخاوف من التعقيدات الإضافية التي قد تنتج من توسيع العضوية، مثلما يحدث عندما تجلب دول تعاني من نزاعات طويلة الأمد، مثل مصر وإثيوبيا، صراعاتها إلى جدول الأعمال.

"انتصارات" ملموسة

ستستمر القضايا التي تواجه مجموعة "بريكس"، والتي سبقت "المنضمّين الجدد"، مثل العضوية، وعملة احتياطية بديلة، ونظام مدفوعات إلكتروني ينافس "سويفت"، ستستمر في إحباط الجهود الرامية إلى إنشاء منظمة متماسكة، ورؤية مشتركة، وأجندة ذات مغزى. علاوة على ذلك، وباعتبار "بريكس بلس" منتدى يعتمد على التوافق وليس على القواعد، فإن المجموعة لا تتمتع بقدرة أو سلطة كبيرة على تطبيق التدابير وإنفاذها.

مع ذلك، هناك نقطة مضيئة تتمثل في قدرة "مجموعة بريكس" على تسهيل الحوار بين أعضائها؛ فعلى سبيل المثل، شهدت قمة قازان أول محادثات رسمية بين رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس الصين شي جين بينغ منذ أكثر من خمس سنوات، وقد تكون هناك اختراقات ديبلوماسية تتشكل خلف الكواليس في كل قمة.

font change

مقالات ذات صلة