صدم "دولت بهجلي"، زعيم "حزب العمل القومي"، الذي يعتبر ملاذ القوميين الأتراك المتشددين والمعروفين أيضا باسم "الذئاب الرمادية" الأمة، حين وجه دعوة لعبد الله أوجلان، زعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون منذ فترة طويلة، إلى الظهور في البرلمان والدعوة علناً إلى حل مجموعته.
وقال بهجلي في الاجتماع الأسبوعي لحزبه الشهر الماضي، إنه من الممكن إطلاق سراح أوجلان من السجن بموجب أحكام قانون العقوبات التركي المعروف باسم "الحق في الأمل"، إن هو أعلن انتهاء الإرهاب بشكل كامل وحل "حزب العمال الكردستاني".
ولكن دولت بهجلي كان هو نفسه من دعا قبل سنوات قليلة، حينما كان معارضا شرسا لأردوغان، الحكومة إلى إعدام أوجلان، المسجون في جزيرة "إمرالي" في بحر مرمرة، منذ أن قبضت عليه قوات الأمن التركية في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999، وأعيد أوجلان إلى تركيا، وخضع للمحاكمة التي انتهت بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ولم يفلت من الإعدام إلا بسبب إلغاء عقوبة الإعدام.
ومنذ ذلك الحين، يشاع من وقت لآخر أن أوجلان، الذي يبلغ اليوم عامه الخامس والسبعين، قد شارك في عدد من المبادرات مع الدولة التركية لإنهاء ما يطلق عليها الناس "القضية الكردية" أو "مشكلة الإرهاب"، كل حسب ولائه السياسي.
استجاب عبد الله أوجلان لدعوة بهجلي، في رسالة نقلها إلى الرأي العام أحد أقربائه الذي زاره في السجن، وقال فيها إنه "يملك القدرة النظرية والعملية لنقل هذه القضية من حيّز الصراع والعنف إلى الأرضية القانونية والسياسية، إذا سمحت الظروف بذلك".
ولكن كيف كان رد فعل كبار قادة "حزب العمال الكردستاني" في شمال العراق، و"وحدات حماية الشعب" في شمال سوريا؟
جاء رد زعماء "حزب العمال الكردستاني" في العراق، الذين يطلق عليهم في تركيا اسم "جماعة قنديل"، تبعا لاسم سلسلة الجبال التي يتمركزون فيها، على لسان زعيمهم العسكري "مراد قره يلان"، الذي لم يرفض الدعوة، لكنه أشار إلى أن "قنديل" لا تقل أهمية عن عبد الله أوجلان، ولا ينبغي تجاهلها.
ويسلط هذا التصريح الضوء على الجدال الذي يدور منذ سجن أوجلان حول من يكون الزعيم الحقيقي لـ"حزب العمال الكردستاني"، ولا سيما أن جماعة قنديل ترى أيضا أن قرارات أوجلان هي قرارات رجل محتجز في السجن.
وفي شمال شرقي سوريا، قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل "وحدات حماية الشعب" عمودها الفقري، لوكالة "فرانس برس" إن الغارات الجوية التركية على مواقع "قوات سوريا الديمقراطية" قد تؤثر سلبا على "الوساطة الجارية" مع تركيا لبدء "حوار سياسي وعسكري".
ومع أن الجمهور التركي، بما في ذلك حزب المعارضة الرئيس، "حزب الشعب الجمهوري"، قد فوجئ بدعوة بهجلي، إلا أن ذلك لم يتسبب في أي ردود فعل سلبية كبيرة.
وصف الرئيس أردوغان دعوة بهجلي، الذي أشار إليه بوصفه رفيقه وشريكه في التحالف، بأنها نافذة لفرصة تاريخية، وطلب من جميع الأكراد أن يأخذوا اليد التي يمدها لهم. بيد أردوغان يحرص على أن لا يظهر بمظهر المتحمّس لهذه المبادرة، ويريد أن يحافظ على هامش أمان يسمح له بالتراجع إن أثارت رد فعل شعبي، كما كانت الحال عندما سعى إلى إطلاق عملية السلام مع "حزب العمال الكردستاني" في مطلع العقد الأول من هذا القرن.